اعمال أبي القاسم القشيري

نبذه عن حياة ومسيرة أبي القاسم القشيري هو عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري، وُلد بقرية “إستو”، إحدى قرى نيسابور، عام 376هـ، كنيته أبا القاسم، ولقبه زين الإسلام، أما لقب شهرته فهو القشيري، هو عربي النسب، فأبوه من قبيلة قشير العدنانية، أما أمه فهي أخت أبي عقيل السلمي،[١] لم يقتصر القشيري عِلمه في مجال الأدب فقط، بل تعمق بالدين أيضًا فكان يُعد من كبار علماء الأدب، والشعر، والتفسير، والفقه، والحديث، وهو الزاهد إمام الصوفية، إذ كتب في عِلم التصوف “الرسالة القشيرية”، كان القشيري في صغره يبرع بالفروسية والعمل بالسلاح، ثم بدأ يهتم بتعلم الكتابة والعربية، فبرع فيهما وجمع بين الشريعة والحقيقة، وبين الفقه والأدب وعُرف في عصره، إذ كان من أشهر العلماء في الأدب، ومن أمكن العلماء في الشريعة والتصوف،[٢] أما عن وفاته فقد اختلف العلماء في موته، فمنهم من قال أنه مات وعمره سبعون سنة، بينما يجمع ابن خلكان، وابن عساكر، وابن العماد، أنه توفي في سن 89، سنة 986م.[٣]

حياة أبي القاسم القشيري

نشأ القشيري حياته وهو في كنف أمه، فقد توفي والده وهو في سن صغير، تعلّم الأدب والعربية، فنشأ محبًا لهما، وقد استمر بطلب العِلم إذ رحل إلى نيسابور من أجل أن يتعلم طُرق الحساب؛ ليحمي أهل قريته من ظلم عمال الخراج،[٤] فكانت رحلته تلك من أهم الأسباب التي أثرت على نفسيته، فنشأ وهو يمقت السلطة ويرفضها، وكان أول المجالس التي حضرها في حياته بعد وصوله إلى نيسابور، هو مجلس الشيخ أبي علي الحسن بن علي النيسابوري، المشهور بلقبه الدقاق، فسمع القشيري كلامه، وآثار به الإعجاب، فأشار عليه الدقاق بالاشتغال بالعِلم، فشرع إلى الفقه، حتى أصبح من إمام الصوفية وقتذاك، واستمر بأخذ عِلمه في مجلس أبي علي الدقاق، فزوّجه ابنته، حتى أصبح في زمرة أبي علي الدقاق.[٥]

أما عن حياته العملية فقد بدأها وهو في الثلاثين من عمره، فاشتغل في مجال التدريس في مسجد المطرز، لكن حياته لم تكن تجمع بين العلماء والأدباء والفقهاء فقط، بل واجه القشيري بعضًا من الوشاة، فعندما اشتهر وذاع صيته، ثار ذلك الحقد في قلوب مخالفيه من المعتزلة، فأخذوا يلفقون عليه الأقاويل التي لم يتحدث بها، ومن شدة كيدهم اتهموه بأفعال لم يقترفها، ومن هؤلاء الكندري وزير السلطان طغرلبك في العهد حينذاك، فاستغل الكندري هذه الأقاويل في سبيل الباطل، وألحق الأذى بالقشيري والأشاعرة حتى يشفي حقده، ثم جاء ذات يوم قرار القبض على القشيري ومجموعة من العلماء، وسجنهم، ومن أجل حرية القشيري، تم الاتفاق بأن يخرج ثم يهاجر البلاد، فغادر القشيري المشرق كله، وترك بيته، وأسرته، وأبنائه في رعاية الله، فاستمر في نهاية حياته بالتنقل من بلد إلى بلد، حتى وصل بغداد، فاستقبله الخليفة ورحّب به، فأعجب بعلمه وغزارة أدبه، ثم عقد له المجالس في منازله الخاصة، فكان يحضر دروسه ويستحسن آراءه واتجاهاته ومجمل أفكاره.[٦]

عٌرف القشيري بجانب ورعه وزهده بأنه كان طيب الأخلاق، لطيف العبارة والألفاظ، غواصًا ومتعمقًا بالمعاني، أما زوجة القشيري فقد عُرفت بزهدها وورعها وتقواها، وفي حياتها أنجبت له عدة أبناء، وهم: عبدالله، وعبيدالله، وعبد الواحد، وعبدالرحمن، وعبد الرحيم، وعبد المنعم، وأمة الرحيم وهي ابنة القشيري الوحيدة، فاتبع الأبناء خطى والدهم في القرن الرابع الهجري، وذلك بتعلم الأدب والتعمق به، وأخذ طريق العبادة والزهد، والكتابة بالتفسير، والأصول، والفقه، فأصبح أبنائه من العلماء وطلبة العِلم.[٧]

مسيرة أبي القاسم القشيري العلمية والأدبية

تلقى القشيري العِلم منذ سن مبكرة، فقد نشأ يتيمًا بعد أن توفي أباه، فكان يحمل عبئ مسؤولية الحياة، وحين اجتاحت منطقته الضائقة الاقتصادية بسبب عمال الخراج، فكر الأهالي بإرسال أبنائهم إلى نيسابور، من أجل تلقي العِلم وخاصة عِلم الحساب، وكان القشيري أحد هؤلاء الأبناء، لكنه حين وصل نيسابور كان أول المجالس التي حضرها، هو مجلس الإمام الصوفي أبي علي الرقاق، فانصرف عن تعلم الحساب، وانجذب إلى تعلم الحديث، والفقه، والتفسير، والأدب، فظفر بالعِلم بين كنف كبار الشيوخ أمثال: أبو علي الحسن الدقاق الذي برع في الفقه والشريعة الإسلامية فكان إمام عصره، تتلمذ القشيري على يديه في علوم الشريعة والتصوف، وبعد أن انتهى منه، جلس في مجالس الإمام أبي بكر بن فورك فدرس الأصول والكلام، وصار من أحسن تلاميذة بن فورك في الضبط والسلوك.[٨]

وفي مسيرة القشيري العلمية، أكمل تلقي العِلم على يد الأستاذ أبي إسحاق الأسفراييني، فكان يجلس ويسمع كل دروسه دون أن يدونها، مما أثار تعجب الأسفراييني فقال له: إن العِلم لا يثبت ولا يحصل بالسماع، فأعاد عليه القشيري ما سمعه وأخذه من عِلم، فقال له الأسفراييني: لست تحتاج إلى سماعي وإلى دروسي بل يكفيك أن تدرس مصنفاتي، ودرس كتب القاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني، واستمر في مسيرته العلمية وطلب العِلم من كبار الشيوخ والعلماء، حتى أصبح بارعًا في الفقه والأصول، متمكنًا من التفسير، ومتحققًا في عِلم الكلام، ومتفننًا في النحو واللغة، شاعرًا، وكاتبًا، وأديبًا، فكان غزارة عِلمه يدفع البعض في مصاحبته، أمثال: الجويني إمام الحرمين، أبي بكر البيقهي، وغيرهم.[٩]

لقد كان للإمام أبي قاسم القشيري منهجه الخاص في تلقي العِلم، ومن حلقات تحقيق هذا المنهج هو ضرورة التأدب في طلب العِلم عن الشيوخ والعلماء، ومن أقواله في مهمة الشيوخ: “يجب على المريد أن يتأدب بشيخ، فإن لم يكن له أستاذ لا يفلح أبدًا”، وهكذا نجح القشيري بأن يحقق ما طلبه منه أستاذه الأول “الدقاق”، في تحصيل علوم الأدب، والإلمام بعلوم الشريعة والفقه الإسلامي، وعندما نال القشيري شهادة أستاذه الدقاق، أصبح أستاذ خراسان بدون أي منازع، وإمام مجلس الوعظ والتذكير، فذكره العلماء والأدباء في أقوالهم، أمثال: أبي الحسن علي الباخرزي، الذي بالغ في الثناء علي القشيري في كتابه “دمية القصر”، فقال عنه: “لو قرع الصخر بصوت تحذيره لذاب، ولو ربط إبليس في مجلسه لتاب”، وقال عنه الخطيب في تاريخه “كان ثقة، وكان يقص، وكان حسن الوعظ مليح الإشارة، يعرف الأصول على مذهب الأشعري “العقيدة الأشعرية”، والفروع على مذهب الشافعي”، وقال أبو الفتح محمد بن الواعظ الفراوي أن القشيري كثيرًا ما كان ينشد الشعر وهو في صحبتهم عبر مسيرته العلمية.[١٠]

مؤلفات أبي القاسم القشيري

كتب القشيري العديد من الكتب، وصنف العديد من الرسائل، ولم يكتف بذلك بل أخرج مجموعة من الأحاديث بلغ عددها أربعون حديثًا، أما عن مؤلفاته فقد كانت مجالسه مع الشيوخ بكثرة لها الأثر الواضح على أسلوبه الأدبي، وكل ذلك ترك أثره في مؤلفاته فلا يشعر القارئ لها بالغموض، أو بعقدة من العقد، إنما تميَّز بالخط الفكري المستقيم، وبالوضوح والصدق والإخلاص، إضافة إلى وفائه لشيوخه في طيات مؤلفاته، فمثلًا كثير ما ورد اسم الدقاق في رسالته مقرونًا بالترحم، ولم يحظ أي كتاب من كتب القشيري بالذيوع والشهرة مثلما حظيت “الرسالة القشيرية”، ووصفها بعض الفقهاء في أقوالهم، أمثال السبكي، فقال واصفًا الرسالة: “لقد سارت الرسالة مغربًا ومشرقًا، وهي مشهورة مباركة، قلما تكون في بيت وتنكب”، فكانت الرسالة أحد المصادر الهامة التي اعتمد عليها الكثير من الفقهاء في مسلكهم ومنهجهم في التفكير، أما ما تبقى من أعمال القشيري الأدبية فقد ذكرها التاريخ بأن معظمها قد فُقدت، والبعض الآخر عبارة عن مخطوطات لم تُطبع وتُنشر بعد،[٣] ومن أهمها:[١١]

  • ترتيب السلوك “لم يطبع بعد ولكنه مخطوط في الفاتيكان”.
  • في تفسير القرآن “طُبع حديثًا”.
  • عيون الأجوبة في أصول الأسئلة “مفقود”.
  • الرسالة القشيرية في التصوف.
  • حياة الأرواح والدليل على طريق الصلاح والفلاح “مخطوط بالأسكوربال”.
  • شكاية أهل السنة بما نالهم من المحنة “مذكورة في كتاب طبقات الشافعية للسيكي”.
  • التيسير في علم التفسير “مخطوط في الهند وليدن”.
  • كتاب القلوب الصغير، والكبير.
  • منثور الخطاب في مشهور الأبواب “مخطوط بالخزانة الملكية بالرباط”.
  • المنشور في الكلام على أبواب التصوف “مخطوط موجود بالخزانة الملكية في الرباط”.
  • لطائف الإشارات “وهو تفسير للقرآن الكريم في ست مجلدات”.

اقتباسات القشيري

بعد الحديث عن أبي القاسم القشيري، وبيان نسبه وحياته، ومسيرته الأدبية والعلمية، وشيوخه، يجدر التعرف على بعض من اقتباسات الأديب العظيم والكاتب الجليل أبي القاسم القشيري، وفيما يأتي بيان ذلك:

  • يقول القشيري في قصيدة له:[١٢]

إذا أنا لا أشكوا تقول مللتني

فما لك لا تبكي أقلبك من صخر

وإن دمعت عيني تقول شهرتني

وأظهرت أسراري وأخبرت عن أمري

وإن قلت هل لي في ودادك حيلة

تقول نعم صبراً على الذل والضرّ
  • يقول القشيري في قصيدته محترق الأحشاء من حسرته:[١٣]

محترق الأحشاء من حسرته

ممتحق الشاهد من حيرته

يذوب من حشمته كلما

أفكر فيما كان من عثرته

يا قادرًا يفعل ما شاءه

أرحم فتى جرد من قدرته
  • يقول القشيري في قصيدته “أصعب منع للفتى خصمه”:[١٤]

أصعب منع للفتى خصمه

ويل لمن كان له خصم

يحجبه في الوقت عن ربه

اليوم غرم وغداً غنم

إن وجدنا لحسن عذرك صدقًا

لم نغادر عليك للخلق حقا