رواية يباب الجزء الثاني – دراما مشوقة للكاتب محمود ملص

بالجزء الأول من رواية يباب:
عاصم كان يخمّس بسيارته البي إم دبل يو و خبط سيارة جمانة…
الدفاع المدني أخد بنتها زينة لمستشفى مختلف…
المهندس مهيب انطرد من شغله بالكويت و تنازل عن كل حقوقه بسبب نواف
كيماوي ضل مع زينة بالمستشفى…
جمانة خسرت الجنين و كان معها كسر بالحوض و نزيف بعينها اليسار….نقلوها على الإنعاش و مع هيك تدهورت حالتها…..

الجزء الاول


إنت كشخص معك ملايين، و أهلك كلهم من عائلة كبيرة و مرموقة و معروفة بالبلد شو بتكون تعمل بمستشفى حكومي قديم مهتري؟!
هاد التفكير الأول اللي خطر على بال مهيب و هو ساند راسه للحيط و بيستنى بأي لحظة يسمع خبر وفاة جمانة…..و بيدعي تضلها بخير من أعماق قلبه….
فجأة مهيب شاف الدكتور أحمد فارس اللي مش الفروض أصلا يكون بالبلد…
هيك مهيب بيتزكر من آخر لقاء بينهم لما كان بحضر أموره للانتقال على كندا…….و كيف الصدفة خلت الدكتور أحمد ييجي على الإنعاش باللحظة اللي فيها جمانة بتصارع حتى تاخد نفس!!!!

رواية: يباب
الجزء: الثاني
كتابة و تأليف: محمود يوسف ملص

الدكتور أحمد و مهيب بتربطهم ببعض قرابة بعيدة جدا، و بالمناسبات اللي التقوا فيها ببعض كان يتجاهل كل واحد منهم التاني…
عادي يكون أي شخص بأي مكان…
بس اللي مش عادي…إنه دكتور أحمد فارس كان خطيب جمانة زمان!!!…زمان كتير…و فسخوا لإنهم ما تفاهموا….قبل ما تتعرف جمانة على مهيب و يصير بينهم قصة حب طاحنة….مهيب بيعرف بقصة الدكتور بس عمره ما فكر بإشي..اعتبره ماضي لجمانة و هي ما غلطت…كان مجرد شخص خطبها كم يوم و ما تفاهموا….جمانة لما انفتح مرة الموضوع مع مهيب حلفت إنه بعمرها ما حست إشي تجاهه بس هو تقدملها و كان محترم و فسخوا بالتراضي بدون أي مشاكل…جمانة عندها طيبة و أدب بتخليها ما تحكي عن عيوب أي شخص….بتتجاهل و بتمشي…عقلها رزين….و عندها اتزان بكل حياتها….
الدكتور أحمد كمان انصدم…كل فكره إنه مهيب بالكويت….هيك بيسمع من القرايب…
عيونهم صارت تسأل و تجاوب، مهيب كان مش مركز….صارت الأفكار براسه تروح و تيجي…
أحمد شاف الكادر الطبي بيركض للإنعاش و شاف مهيب و هو مصدوم و طالع من الغرفة….ربط المواضيع ببعض و عرف مباشرة إنه جمانة صارلها إشي جوا….الحج خميس و أم جمانة أعصابهم تلفت….لحظات قاسية جربوها زمان مع بنتهم يارا….

وقفت الممرضة عاجزة عن الحركة و هي بتفكر بمستقبلها اللي ضاع…..عرفت إنها عملت إشي غلط…
جمانة كانت شفايفها زرقة و بتتشنج….بتحاول تاخد نفس بطريقة مخيفة….
حاولت الممرضة تدافع عن حالها باستماتة…
-أأأنا مشيت عنفس الأدوية المقررة ها شوفوا هاي الكشف….طلب مني الدكتور قبل عشر دقايق اعطيها إبرة 100 مللي غرام بيثيدين….لإنها كانت تتألم بشدة….

قبل ما يدخل مهيب عند جمانة، الدكتور حس إنها بتتوجع و قرر يخليها ترتاح شوي، كان حاسس بوجعها بكل جسمها، نزيف على اجهاض على كسور…لازم المسكن يكون قوي….مسكينة شو بدها تتحمل لتتحمل…على وزنها والضربات اللي فيها لازم ترتاح..
وقف الفريق الطبي محتار، بيتطلعوا ببعض و عيونهم راحت على الدكتور…
توتر الدكتور…بس هو فعليا متعود على روتين المستشفيات….في خطأ طبي صار و ما حدا قادر يفهم شو هو…
تفاجئوا بشخص بيفتح الباب و بيدخل بسرعة حتى بدون استئذان…دخل وراه مهيب….
شافهم أحمد و هم واقفين و جمانة عم تخلص…كان لازم يتدخل….
-أنا الدكتور أحمد فارس رئيس قسم التخدير بمستشفى الهداية التخصصي….احكولي بسرعة السيناريو من البداية حتى اساعدكم…أنا جاهز للمساعدة…
عصب الدكتور المقيم و حس بانتقاص من شخصيته و قدره قدام الممرضين….
– انت مش ابن المالك لمستشفى الهداية التخصصي؟ يعني طبيعي تكون رئيس قسم التخدير لإنه أبوك صاحب المستشفى…ممنوع تعالج مريضة عنا بالقانون الأردني و حسب قوانين وزارة الصحة لإنك ببساطة مش دكتور هون….. إحنا بنتحاسب عنك بعدين..لو سمحت إطلع برا…
اتطلع فيه الدكتور أحمد و كانت رح تصير مدبحة بينهم إلا إنه صرخ بالدكتور فجأة لدرجة إنه الدكتور سكت و أعطاه الكشف…
مسك أحمد الكشف و اتطلع على الأدوية و الإجراءات خلال جزء من الثانية….
-وين الممرض اللي أعطاها ابرة البيثيدين؟!

ارتبكت الممرضة، اتطلعت بالدكتور المقيم و كإنها بتاخد منه الإذن حتى تحكي…
-أأناا…أنا اللي أعطيتها يا دكتور أحمد….
– اعطيتيها بالعضل و لا بالوريد؟!
– بالوريد طبعا ولا وين بدي أعطيها؟!
انجن الدكتور أحمد….و الكادر الطبي كله توتر…
– طيب، اطلعي خدي بريك هلأ….
وقفت الممرضة خايفة….اتطلعت بالكل..وطت راسها و طلعت برا…
الدكتور احمد ذكي جدا…لا ذكاءه مش عادي…حاد جدا….، خلاها تطلع برا لإنه بده يطلع الطاقة السلبية و التوتر حتى الكادر يقدر يركز معه….
رجع اتطلع بالكادر..
– حطولها اكسجين، و اعطوها ناليكسون..ابرة البيثيدين اللي اعطتها الممرضة للمريضة أولا عيارها عالي حسب وزن المريضة و تانيا الممرضة أعطتها ياها بالوريد و الأصل كان المفروض تنعطى بالعضل…
الكل صار يتطلع ببعض…
خلال ثانيتين انعطت جمانة الدوا المضاد….الأوكسجين على أنفها….
فجأة التفت مهيب جمب راس جمانة….
شاف أمه….مبتسمة….
– يللا ماما ودعها لإني بدي أخدها معي….خلص أنا زهقت لحالي…..هاتها عشان تضلها مع الجنين اللي مات…
انجن مهيب…
– لا لا……لا إمي…خليها هون….رح تعيش….لا تاخديها ابوس ايديكي…
– ليش يا ماما؟ خليها ترتاح انت شايف وضعها….
مهيب كان واقف عاجز عن التفكير، و بيحكي خرابيط….
بس قادر يلاحظ إنه جمانة عم تهدا و التشنجات بتروح بهدوء….سحبت جمانة نفس طويل و هديت….
الكل انصدم من تصرفات مهيب….طلع عن الوعي بطريقة مؤلمة…..
اتطلع الكل بالدكتور أحمد و بعيونهم نظرة فخر، الدكتور المقيم وطى راسه من الإحراج….
لف أحمد وجهه باتجاه مهيب…
– تعال نحكي شوي برا…
لسا مهيب تحت الصدمة…صدمة وجود خطيب جمانة السابق…في أسئلة كتير بباله يمكن تتوضح مع الوقت…
ركض مهيب على الحج خميس و مرته…
– اتطمنوا…الحمدلله استقرت حالتها….
سحب الدكتور أحمد مهيب من تحت إبطه و بعده عن حماه و حماته….
مهيب كان مستغرب من أسلوب أحمد…
– اسمعني مهيب، زوجتك بخطر… و حالتها فعلا مش مستقرة و لولا لطف ربنا ووجودي بهاي اللحظة كانت رح تروح من بين إيدينا…خليني أطلبهلا سيارة إسعاف خاصة من عندي من المستشفى و أنقلها لعندنا…ما تقلق ولا بأي نوع من المصاريف…
لفت نظر مهيب ناس جايين من بعيد، غاب عن الواقع شوي و هو بحاول يركز شوي…
رجفوا شفايفه و هو بيحكي
– زينة! بابا!
كيماوي حامل زينة و رجلها ملفوفة….حالتها منيحة…حاطة راسها على كتف خالها……بس زينة ما بتحكي….
رجلين مهيب بطلوا يحملوه من اشتياقه لبنته….
ركض عليها و خطفها من ايد كيماوي….صار يبكي و يتنهد….
– اااااخ يا بابا….الحمدلله على سلامتك يا قلبي…يا روحي يا حياتي….الحمدلله يا بابا…بحبك…..
كان مهيب ضاممها على صدره و هي مصدومة…..مهيب نسي الدنيا كلها و ضل ضاممها وهو بيروي عطشه من شوقه لإلها….ما حدا جرب شعور الأبوة الحقيقي إلأ لما يشوف إبنه أو بنته بين إيديه بيكبر، الإنسان اللي منك بكون أغلى عندك من روحك….
لاحظ مهيب إنه زينة ما بتحكي….اختلفت ملامحه….
– بابا! حبيبتي شو مالك؟ زيزي؟ أنا بابا ليش ما بدك تحكي معي…
زينة كانت تسمع الحكي و تقرأ ملامح أبوها بس ما بتجاوبه….

جرت الشغالة ميلينا أم جمانة على الكرسي…مشي معهم الحج خميس لحتى وصلوا لعند زيزي و اخدوها من مهيب….
– تيتا حبيبة تيتا…
– تعي يا قلب جدو…تعالي يا حبيبة قلبي…..
عبط كيماوي مهيب….كانوا ساكتين و شدوا على بعض….هاي المحنة لازم يتجاوزوها…..لمح كيماوي الدكتور أحمد و استغرب كتير….
همس لمهيب وهو عابطه..
– أنا روحتها على مسؤوليتي…المستشفى هناك كله وسخ و جراثيم…و خفت عليها…..تعاملهم سيء….دير بالك رجلها مقطبة و ما بتمشي لازم تضلها مرتاحة…

قرب كيماوي من أمه باس راسها…
– يما تعالي روحي على الدار، انتي تعبانة كتير…
شربت أمه رشفة مي…
– لااا خليني يا محمد، ما بقدر أترك جمانة هون….روح ارجع على البيت و خد معك ميلينا…جيبوا عامر من عند أم وليد هلأ بكون جننها….
– طب! كيف جمانة يما….كيف صارت؟!
الكل ساكت…
اتدخل الدكتور أحمد…
– أختك تعبانة كتير…كنت عم بحكي لصهرك مهيب إنه لازم ننقلها على مستشفى…
– أنا برأيي يا دكتور تحمل حالك و تروح من هون أفضل…جهودك مشكورة….
قاطع مهيب أحمد بعنف….
أحمد ضل واقف مش عارف يكمل حكي….اتدارك الموضوع…بابتسامة مصطنعة…
– طيب، أنا رح أروح، بس يا حج دير بالك هون خدمات المستشفى سيئة و بتعرف شو؟ لولا إني كنت موجود جمانة كانت رح تموت…اعطوها دوا غلط….كانت رح تموت حرفيا….
انفجر كيماوي و صار يصرخ…
– ميييين؟ مين اللي أعطاها دوا غلط!!!! وييييينه!!!!
حس الدكتور أحمد بانتصار لذاته…والتفت على مهيب…حط بإيده كرت المستشفى و رقمه الشخصي….
– حكيتلك ما في داعي تاكل هم الدفع، المستشفى إلنا…..
مشي أحمد بعيد عنهم و مهيب مشاعره تخربطت….ضل يفكر بكل شي عم بيصير….
كيماوي لسا بصرخ…
صرخ فيه مهيب…
– خلص يا محمد! خلاااص……حالتها استقرت….انت يستشفى ولا بسجن!

وصل زهير صديق كيماوي ع باب المستشفى…معه سيارته الكيا سيفيا اللي بحبها أكتر من عمره….مشغل أغاني مجوز و دبكة….جوا سيارته في ضو أحمر و أخضر و أزرق زي الديسكو….على التابلو في صوف خروف مصبوغ أزرق ملبقه على لون مقاعد السيارة….
ميلينا كانت حاملة زينة وواقفة مع كيماوي بيستنوا زهير…
فتح كيماوي الباب…
– يزم أحقر منك ما شفت! لاطعنا ساعتين لحتى توصل! وينك!
– يعني فوق ما بوصلك و البنازينات عحسابي بتحكيلي بهدلات؟! أنا لو بجمع مصاري البنازين اللي وصّلتك فيهم كان اشتريت يخث و قاربات كتير…
– يخث! و قاربات! يزلمة متى بدك تبطل هبلك و تحكي زي العالم و الناس!
زهير لما كان صغير وقع على راسه صار عنده ارتجاج بالدماغ و أثرت عليه الوقعة كتير… تقطب راسه كله من عند الحواجب لعند الرقبة من ورا….صار عنده مشكله بالنطق و الجمع…و تقريبا ما إله صاحب إلا كيماوي….بحبه كتير لإنه الوحيد اللي فاهمه…
– حقوقك عليهم…تأخرت بالورشات ركبنا خزان و نقصنا ماسورات و عدات…..حقك علينا…..أوصلهم عالمنازل؟!
– اااه خلصني ول عليك شو بتحكي…ولك نفسي تجمع جملة صحيحة وحدة بس….
طلعت ميلينا و زينة ورا….مشي فيهم زهير….
لاحظ زهير تصرف غريب من كيماوي…حاطط راسه بتلفونه و بيبعت مسجات…كل ما يكبس ارسال برن تلفون ميلينا وراهم و هي بتصير تضحك بصوت واطي…

حاول يسرق نظرة على تلفون كيماوي…شاف قلوب حب و لمح صور ميلينا بالدردشة…..
– إتطلع على الطريق يا زفت…و شد حيلك ليش ماشي بيطيء…
– طيب! هاد الطريقات كله شرطات….بعدين السرعات مرفوضة مبارح لسا جايبها من عند الصلّاح…عملتلها تزابطية للتسارع….عشان الترخيصات….
التفت عليه كيماوي و هو رح ينجلط منه و من مصطلحاته…..
– شكلي رح أضربك كمان مرة على راسك عشان يزبط عندك النطق مرة تانية….

عاصم واقف على دور المسافرين….الضابط بيتطلع عليه بنظرة شك….
أعطاه الجواز و ايده بترجف…
– هات دفتر خدمة العلم يا شب..
– عفوا! أنا مممش معاي الدفتر..مش مجدده…
– لا حول ولا قوة إلا بالله…يخوي روح جدده و ارجعلي….بقدرش أطلعك عالطيارة بدون ما تكون مجدده…

بلع عاصم ريقه…صورة الحادث لما خبط جمانة و طارت مش راضية تروح من باله…
– بس أنا…
– أخرت المسافرين إنت بتفهمش عربي! روح أجل حجزك و جدده و تعال علينا…ييلا..اطلع من الدور خلصني….
قعد عاصم على كراسي الانتظار…الأفكار و الخوف لعبوا فيه…..
لو حكى لأبوه رح ينهيه عن وجه الأرض، لإنه قبل فترة طلب منه 20 دينار رسوم التجديد و حطهم بجيبه و صرفهم….و هو أصلا ما بكلف أكتر من خمس دنانير…

فتح يدور بلكي في أي إشي بيحكي عن حادث البنت اللي خبطها….
راحت الرجفة من إيديه، عرف إنها عايشة، انصدم إنه كاين معها بنت بالسيارة..بس المهم إنها عايشة….على الأقل ما ماتت…
نقز من رنة تلفونه…
حبيبتي (خلود) يتصل بك…
– افففففف مش وقتك ابدا…
فصل عليها….
رنت كمان مرة…
– أنا مش فصلت عليكي! ليش بترني!
كان في بنت بتبكي على التلفون…
– أنا آخر من يعلم؟ ليش ما حكيتلي إنك مسافر على لبنان! ليش؟ أنا مش عأساس حبيبتك! ليش هيك بتعمل دايما!
ارتبك عاصم…
– أختي الكلبة حكتلك اشي؟!
– اه! حكتلي…
تشنج عاصم…كملت خلود كلامها…
– عكل حال إنا لله وإنا إليه راجعون الله يرحمها…
ضاق نفس عاصم لحتى فهم على خلود بالآخر…
– الله يرحمها خالتك….أنا ما بدي منك اشي بس إنت بتحكيلي دايما رح أصير مرتك معناها لازم أوقف معك بكل شي….بعرف إنك ما حكيتلي عشان ما تقلقني عليك بس هاد سفر يا عاصم….حبيبي…دير بالك عحالك مشان الله…
كالعادة استغل عاصم طيبة خلود و ظروف رجعته بسبب دفتر خدمة العلم…
– بس أنا حبيبتي وصلت المطار و ما قدرت أسافر بدون ما أودعك…أجلت الرحلة عشان أشوفك…
ابتسمت خلود و هي بتبكي…
– عنجد حبيبي! يا الله شو بحبك…إنت رح تصير جوزي حبيبي….
لوا عاصم تمه بمكر…
– و إنتي رح تكوني مرتي…
– باي يا عمري والله يرحم خالتك….

اجت الممرضة بكل نشافة بتنادي بين الناس..
– وين أهل جمانة! وين جوز جمانة….
فتح مهيب عيونه بخوف و قلبه صار يدق بسرعة…
-أنا..هيني…أنا مع جمانة…
– خد إمسك…
– اعطته الممرضة كيس أبيض جواه كيس أزرق….
– شو هاد عفوا؟!
– هاد الجنين، ابنك…ادفنه….
حكتلها الممرضة بطريقة صادمة لدرجة انه لما اعطه الكيس انصدم!
– هيك بتحطوا ولاد النااااس! هييييك!
التفت مهيب ناحية الحج خميس و حماته…وطوا راسهم…كانوا يلوموه بطريقة غير مباشرة….كلام الدكتور أحمد لعب بعقلهم…
مسك الحج خميس عكازته بتعب… اجى لعند مهيب…
-مهيب يا ابني….بعينك الله روح على مقبرة العيلة اللي بأم الحيران اللي جمب الوحدات عرفتها؟… احفرلك شوي و حطه جمب….جمب يارا الله يرحمها….
الجنين كان بحجم قبضة الإيد…حاول مهيب يعرف راس الجنين من رجليه و حمله بحزن…مشي و خاطره مكسور…
اللي صار مش سهل أبدا…و ما بيعرف شو مخبيتله الدنيا بالأيام الجاي…راح باتجاه المقبرة….و بطريقه قرر يروح مشوار صغير…
كانت أم جمانة بتتحسر…
– ما بدي بنتي تضل بهيك مستشفى….خلينا ننقلها يا حج….الله يخليك خلينا ننقلها….شفت شو حكى الدكتور أحمد!

طلعت ميلينا من غرفة عامر…
كيماوي بيتفرج على التفلزيون….
– موهاماد…كله صغير ناموا…ذي ار سليبنغ….
قربت منه و حطت ايدها على كتفه….
– هبيبي أنت تعبان كتير…
تشنج كيماوي، حس بإحراج و خجل شديد…لحالهم بالبيت…من زمان ما صارت هاي الفرصة….من لما بلش يلتفت لجمال ميلينا و هي تبادله الابتسامات لحتى صار يفكر فيها 12 ساعة….تردد شوي….فرصة ما رح تتكرر….رفع ايده حتى يلمس ايدها…انفتح الباب….نط تميلينا و راحت على الغرفة التانية…
– بكرا من طلوع الضو بخلي مهيب ينقلها ما تخافي يا حجة…..خلص ما تقلقي….
– ان شاء الله…الله يحميها يا رب…
تكركب كيماوي و صار يلف حوالين حاله….
فتحت ميلينا باب الغرفة و طلعت كإنها بتنضف البيت و حاملة أواعي للغسيل….
اتطلعوا ببعض….رمتله بوسة بالهوا، هو كان رح يغمى عليه…
– تعال ساعدني يا محمد….
رفع كيماوي أمه بحملة وحدة حطها على الكنباية….
– خلوني نايمة هون اليوم…خلص مو….
غفيت أم جمانة من التعب…
– غطيها يا محمد و تعال شوي….
الحج خميس بيسقي النباتات بالحديقة… إجا كيماوي لعنده…
– يابا…يا محمد أنا بركن عليك و صرت كبير كفاية إنك تستلم المطعم…بدي من بكرا تفتحه و تجيب شغيل معاك…
حس كيماوي بالمسؤولية، من زمان نفسه يحس باعتماد أبوه عليه…نفخ صدره….
– أكيد يابا…..تؤمر يا حج خميس….
باس إيد ابوه بحنية…
– ما بدي أوصيك يابا يا محمد….الحمص كل يوم بينتقع، بتشيل الحبة الخربانة، البقدونس بيتنقى بالعودة و الحبة الصفرة بتنرمى..الطحينية حصرا بتجيبها من عند أبو شاكر أوعك واحد من الموزعين يضحك عليك و يبيعك طحينية ماكنات….غير المعصورة عالحجر ما تجيب….و أوعك الزيت يضل أكتر من تلت أيام….أنا بفضل الله تعالى سنين صارلي بهالمطعم و عمره ما حدا اشتكى يوم من طعم أو نكهة…هاد البيت و هاي المصاري كلها والله ما انجابت إلا من الرزق الحلال و النفس الطيب عالأكل…..إنت شاطر و بتعرف كل هالحكي بس بدي ياك تفتح مخك….و أهم اشي…اللي ما معاه فلوس بتطعميه و بتعطيه كمان علب حتى يوخد لولاده….
– بس يابا كلامك معناه إنت مش رح تيجي عالمطعم!
– والله يابا هاي الفترة أمك بدها حدا يكون جمبها…و انت شايف نظري كل يوم عماله بيضعف….بيننا تلفون، و أكيد لو صحلي بمر….أنا خلص…ما بدي ارجع أوقف بالمطعم….خليني بالكم يوم اللي ضايلين إلي بهالدنيا أشبع منكم….و امسك….هاي 500 دينار جيب بضاعة بكرا….الساعة 4:30 الفجر بتفتح…يللا روح نام…..وراك شغل و تعب…..بوثق فيك…
– بوعدك يابا المحل يكون زي ما بدك…مع إنه إنت البركة و الأصل، الزباين كلها رح تفتقدك…
دخل كيماوي على غرفته…ارتعب….اجت ميلينا من وراه و ضمته….
بعدها عنه من الصدمة….
– ايس في هامودة؟ أنا هبيبي إنت!
عصب كيماوي…
– مجنونة إنتي؟! مجنووونة بدك أبوي يقتلنا؟!
– بس أنا هبك! ليس إنت في سوي لايك ذات؟ دونت يو لوف مي؟!

سمع الحج خميس صوت غريب جاي من غرفة ابنه…
دق الباب و فتح على ابنه فجأة….
انصدم…ضل ساكت….
شافهم التنين قراب من بعض…
اتدارك كيماوي الموقف….
هاي المرة رح أمشيلك ياها بس المرات الجاي ما برضى تتركي أواعيي الوسخة بالخزانة…يللا خديهم و اغسليهم…..
ضل الحج خميس ساكت للحظة…شاف ميلينا و هي بتمثل وبتفتح خزانة ابنه محمد و بتاخد أواعي مغسولين و نضاف أصلا و بتطلع برا…..
صفن شوي بإبنه..تركه و سكر عليه الباب….
تنهد كيماوي من التوتر….
– غبية…

حط مهيب راسه على كرسي المستشفى، انتبه انه مقعده مكسور…صارله يومين ما بنام، اعصابه منهارة، فكر بكلام الدكتور أحمد…
لما خلص دفن الجنين مرق على البنك بالمول و طلب كشف حساب…معه مبلغ عادي…سبع آلاف دينار و فراطة…لسا ما بيعرف كم رح يضل بدون شغل….و بنفس الوقت صعب يحطهم على ليلتين بالمستشفى، هو مش بخيل ابدا و مستعد يتبرع لجمانة بعيونه…بس المنطق بيحكي إنه تجاوزت مرحلة الخطر…لحتى قاطع تفكيره الدكتور المقيم….
– أخ مهيب، تقريبا إحنا عملنا كل شي علينا…بس العين اليسار خلال ساعات رح تتلف…في جزء من الدماغ اللي فيه الأعصاب المسؤولة عن البصر فيه نزيف حاد و هي متضررة بشدة….و إحنا هون بالمستشفى قدراتنا محدودة….إنت لازم تنقلها على مستشفى خاص فورا….العملية ممكن تنقذ بصرها….
توسعت عيون مهيب…بدون تفكير…
– شو المطلوب!
– بدك يكون عندك حظ إنه حدا من هالمستشفيات يقبل يعمللها العملية وسط ظروفها هاي و خلال أربع ساعات يا دوب تلحق….
صار مهيب يتأتأ….
الساعة 2 بعد نص الليل…
طلع تلفونه و بلش يرن على المستشفيات….أقل شي بدهم تلت ساعات لحتى يجيبوا الأخصائيين….و الأسعار كانت من 10 آالاف و اطلع…نص ساعة ضاعت وهو بيحاول يتصل و يتجنب إنه يوصل لعند مستشفى الهداية….في من المستشفيات أصلا ما ردّوا….

فتح أحمد عيونه بصعوبة و حاول يشوف الرقم…
– معك دكتور احمد، تفضل مين معي؟!
تردد مهيب و شد على حاله…
-أحمد…ابعتلي سيارة اسعاف من عندكم فورا و خد احكي مع الدكتور….

الدكتور المقيم كان جمب مهيب…أخد موبايل مهيب و بلشوا يحكوا مصطلحات طبية صعبة ما قدر مهيب يفهم منها إشي…
12 دقيقة كانت سيارة الإسعاف بتحمل جمانة بحذر…مهيب حاطط منديل على عيونه بيمسح الدموع اللي بتنزل غصب عنه….قاعد قبال النقالة مع الممرضين…أحمد بعتلهم تلت ممرضين و دكتور…
انتبه مهيب على راس جمانة….حرك الشاش الطبي عن جبينها…..شاف خصلة شعر كاملة مقصوصة عالصفر و عليها قطب….
مسك إيدها و صار يتحسس أصابعها و اطرافهم….ابتسم ما بيعرف ليش….
يمكن لإنه تزكر ضحكتها و دمها الخفيف…اشتاقلها و صار نفسه تصحى….
خلص لازم تصحى ويرجعوا لحياتهم الطبيعية، صار نفسه يفتح عيونه الصبح يشوف خصلات شعرها الدهبية ممددة قدامها على مخدتها، يبوسها أول ما يفتح عيونه زي كل يوم، و إزا هي صحيت قبله تضلها تتحركش فيه و تضحك لحتى يفتح عيونه و يوقع بحبها من جديد….كيف لأ و هي بس يشوفها بحبها أكتر بكل لحظة….لو راحت من غرفة لغرفة بيتشاقلها….روحه معلقة فيها و متقبلها كيف ما كانت…حتى بعد العملية…رح يضل يحبها أكتر…
مهيب كان لإ إراديا بحب جمانة كل يوم بزيادة شوي، لحتى وصل لمرحلة بيكره فيها هاد الشعور لإنه بخوف…لما تحب إنسان بقوة عندك القدرة تتحمل أي خسارة بالدنيا…إلا خسارته هو….
اجت عينه بالدكتور اللي معه بسيارة الإسعاف…
– للأسف، من جهة الشمال لسا كل هاد الشعر رح ينحلق……بس ما تقلق…بيطلع مكانه إن شاء الله….
تقريبا كل كادر مستشفى الهداية كان بانتظار الشخص المهم اللي ابن صاحب المستشفى وصى عليه…على راسهم رئيس قسم التخدير الدكتور أحمد بذات نفسه…….
استقبلوا سرير جمانة خطف، كانت طايرة عن الأرض و هم بسابقوا الوقت مع الأخصائيين كل شي مجهز، كل شي بالمستشفى الخاص بيختلف عن العام…
– إنت خلص من هون….ارتاح…و خبر أهلها….رح أطلع أطمنك أول ما تخلص العملية….
الدكاترة و الممرضين بياخدوا جمانة بعيد عن مهيب….رفع ايده…ما قدر يحكي ولا كلمة….تنهد و حروف اسم جمانة تبخرت بالهوا…..

الساعة 4 الفجر تلفون زهير صامت…الرجاج مستفز ما سكت….
فتح خط و نصه لسا نايم…
– مين؟ الأوقات فجر مين المتصلين؟! ما عندكم أي أزواء…
– ولا زهير، اصحى و البس و تعال خدني، أنا عينتك مساعدي بمطعم الحج خميس….
– بقدرش يا كيماوي….الاستطاعة صفر….أنا شغالين مع واحد غصبان و مشكلات بيعمل إلي و بخاف ما يعطيني رواتب أخر الشهور…
– ولااا، إلبس و تعال يلا رح أعطيك راتب أحسن منه يلا اقلب وجهك…..ورانا مطعم بدنا نديره أنا وياك….
صحي زهير و هو بسب على كيماوي بسره….
مشي باتجاه الحمام حتى يغسّل…فجأة خبط بخلود…..و هي انصدمت من الخوف..وقع تلفونها على الأرض و ضوت شاشته….مبين إنه في مكالمة شغالة……بتفكره نايم…..
– إنتي اتصالات مع الهاتف ليش؟ مين المتكلمين؟! الوقت مستغرب بهيك ساعة…
– هاييييي صصصاحبتي نجوى….ععععم بدددرس أنا وياها….انت أصلا شو مصحيك هلأ؟!
تنهد زهير…حط ايده على خصره و صار يتباهى….
– شغلات الإدارية ما بتخلي الواحد أقساط النوم..أنا صرنا مسؤولين عن مطاعمات الحجاج خميس….
ما فهمت خلود ولا شي…مسكت موبايلها عن الأرض…
دخلت على الغرفة و صارت تهمس….
– حبيبي عاصم..أنا لازم أروح خلص…

عاصم كان نايم عند صاحبه….أهله توقعوا إنه صار عند عمته بس هو بيستنى الصبح يطلع و يجدد دفتر خدمة العلم…بعدها يسافر فعلا…

– شكله أخوكي الأهبل صحي؟! يللا ماشي…..كنت بدي احكيلك اشي بس….
اتضايقت خلود من كلمة عاصم….
– عفكرة هو مش أهبل، هو و صغير…
– بعرف، حكيتلي القصة الف مرة…وقع و انفتح راسه وا وا وا…
سكتت شوي خلود
– شو كنت بدك؟!
– لا خلص انسي….
– احكي حبيبي مو مشكلة…
– كنت بدي لما أشوفك بكرا تجيبلي معك 100 دينار….أول ما أرجع من عند عزا خالتي برجعلك ياهم…
سكتت شوي…ما بتقدر ترفضله طلب بس الوضع صعب جدا و كل ما تملك ما بيتجاوز 45 دينار….جزء منهم صارلها اكتر من شهر بتخبيهم…في عندهم مناسبة قريبة و ما بدها تتقل على زهير…الأخ اللي ما عنده اشي يخبيه لحاله..الكل بيطلب منه و ما بيبخل على حدا، شغله رايح لإخوانه و اخواته بالرغم من إنه في منهم كبار و متجوزين و هم بيعرفوا طيبة قلبوا حتى لو اضطر ببيع السيارة عشانهم…..ما بيتردد…
فتح زهير الباب بده يطلع….البيت ما فيه ولا صوت….
– زهير حبيبي…
– شو الحاجات خلود؟
– ببدي….55 دينار…لازمني كم شغلة نسائية…
حط زهير ايده جوا محفظته….فيها 40 دينار…اتطلع فيهم…ما معه غيرهم….
– خدي اربعينات دنانير و الأوقات الجاي بس أروح بالمساءات بجيبلكم كل المصاريات…لا حزن أبدا….أحبابي إنتي…..
ابتسمت خلود،
-الله يخليلي ياك يا أحسن أخ…
ابتسمت و جواها دمعة من استغلال عاصم بس هي بتحبه و ما رح تلاقي بجماله و شخصيته….عاصم كان ضاحك عليها للنخاع و عنده مكر و خبث، هو متربي مع بنات و بيعرف نقاط الضعف. تقريبا للي ما بتقدر البنت تتحكم بحالها بسببهم….حرام يمكن محتاجهم عشان يوقف بعزا خالته و هو مسافر من بلد لبلد….
عاصم كان بيسمع المكالمة و مبتسم….
– خلص حبيبي…توكل ع الله الصبح كمان تلت ساعات بنلتقي….ما بقدر أتأخر رح أشوفك شوي و أتطلع بعيونك…بعدها بعطيك الفلوس و بتسافر……
– بحبك يا خلود…
حكاها عاصم و هو باله مشغول كيف رح يلحق يجدد دفتر الخدمة قبل ما أبوه يمسكه…
– يييي يا حبيب قلبي انت، غرامي عشقي….بحبك عاصم….بحبك موت…دير بالك عحالك لبين ما اشوفك يا بيبي….
سكر الخط….
– ولك نيالك…نيال أهلك…نيال عيلتك كلها…أنا حظي زفت بالبنات….بخورفوني دايما….كيف قادر تسيطر عليها هيك….
صاحبه سعيد كان سامع كل المكالمة على السبيكر من بدايتها….
– عادي، اتقل شوي…و الأمور محلولة….
– يخي في بقلبي كلمة بدي احكيلك ياها بس خايف تزعل….
– قول عادي، يعني هلأ انت صرت حبيبتي مثلا و خايف تزعلني؟!
– لا ههههههههه بس كيف قلبك قوي لدرجة إنك تعمل حادث و تإذي فيه الناس و عادي هيك رايق و مبسوط….
– لإنه البنت ما ماتت، و طلعت عايشة و غير هيك أنا خبيت السيارة و هيني طالع سياحة على لبنان أكم شهر….شو بدي أحسن من هيك؟ لو انمسكت كنت قاعد ببوس الكنادر هلأ عشان سيجارة بالسجن و نايم بحضن زعيم القاووش هههههه….

فتح كيماوي باب مطعم الحج خميس…
طلعت ريحة الأكل الخربان من يومين….
بلش هو و زهير يرموا الأكل القديم و ينقعوا حمص و ينضفوا المحل….
الزباين كانوا مبسوطين كتير و بلشوا يجوا على المطعم….ما كانوا الشباب جاهزين لسا….
زهير واقف بيستنى التعليمات من معلمه كيماي…
– يا حمار حكيتلك فضي الزيت المستعمل بالتنكة مش بالحمام…
– فكرت تصريفات الزيوت مهيئة من البنيات التحيتة…اعتذار آسفي منا….
ترك كيماوي الشغل و قرب على زهير….فكره زهير رح يضربه….
-تعال..وقف قبالي….احكي زي ما بحكي….
– موافقين….أقوالك….
-احكيلي مثلا، بدي أوصل مشوار و أرجع….
صفن زهير لحظة و هو بده ينجح بالأختبار…
– بسيطية….بدي…
– اااه! صح كمل….
– بدي مشوارات ذهابية و عودة إليكم….
غمض كيماوي عيونه و هو بيكتم عصبية…
– زهير….على شغلك يا…..حمار…عمرك ما رح تتعلم…
– جربني كمان مرة هاه….بدي عائد وصول المشوار وو…
– ع شغغغغلك….

6 ساعات تحت العملية….8 الصبح وشوي تقريبا…
ميلينا بتسب جواها على الحج و الحجة..صحوها بكير……بتجر الحجة على الكرسي….خبرهم مهيب قبل بساعة بس عن الموضوع….
وصلوا على باب غرفة العمليات…..
مهيب كان غافي على الكرسي و منظره بقطع القلب…فاتح تمه و عيونه مغمضة بأقصى ما عندها..تحتهم أسود و أواعيه متوسخة….
فتح دكتور أحمد الباب….
نقز مهيب و قام وقف بسرعة و صار يهذي…
– مين! جمااانة…ايش فيه…..
ثواني لبين ما قدر يرجع لحالته الطبيعية….
– جمانة تجاوزت مرحلة الخطر…مبروك….عينها اليسار رح ترجع تشوف فيها بنسبة 70 بالمية بس و محتاجة تقريبا سنة لحتى يروح منها الغباش…ع فكرة..النسبة ممتازة نظرا لحالتها….
شدت الحجة على ايد جوزها….
لا شعوريا نزل مهيب على الأرض و بكي بدموع حارة…..
– شكرا يا رب، الحمد و الشكر إلك يا رب….
قرب الحج خميس من مهيب و نزل على كتفه سحبه حتى يوقف….
ضموا بعض….
دمعة الحج خميس كانت ممزوجة بخوف و طمأنينة، خوف و ارتياح….خوف من الأيام اللي جاي….
– انت انقذت بنتي….
قالتها الحجة أم جمانة بمودة و شكر للدكتور أحمد….
هز أحمد براسه، واجبنا….
مهيب كان يرجف من الفرحة…
– ايمتى بقدر اشوفها؟ متى؟!
– ساعتين ساعتين و نص لحتى تصحى من البنج و يكون وضعها مستقر بخليكم تدخلوا و تحكوا معها كمان…أنا بدي بس تصحى تخلوها تحاول تفكر و تحكي لإنه الوعي رح يكون مرحلة صعبة عليها بالبداية….

فتح سعيد باب البيت و طلع مع عاصم حتى يوصله على مكان تجديد الدفتر….
– يللا يا سعيد الساعة 8:30 هلأ بضطر أستنى على الدور كتير…و لسا بدي أشوف خلود…عشان أخد المصاري….
– احكي لحالك…إنت اللي غفيت قبل شوي…حكيتلك سيبك و نام بدكاش….
– يزم ما هي خلود علقتني و…
وقف عاصم فاتح تمه…
أبوه واقف عند سيارة سعيد و عيونه حمرا….
– انت بتضحك علي؟! إنت مستهبلني؟!
قرب أبو عاصم من ابنه و الشيطان واقف بينهم….
اتدخل سعيد باللحظة الأخير و ايد أبو عاصم نازله على أبنه…..
مسك ايده…
– اوعك تمد ايدك على صاحبي يبو عاصم…….بفرمك….
انصدم أبو عاصم من تهديد سعيد….سكت للحظة و دفش سعيد و هجم على عاصم…
قبل ما يوصله رجع سعيد مسكه من قميصه و لفه لعنده…..
سعيد ضرب أبو عاصم كف على وجهه….
شهق عاصم من الصدمة….
حط أبو عاصم ايده على وجهه….مش مصدق اللي صار….عيونه ما راحت لسعيد ابدا….
ضل يتطلع بإبنه و هو في جواه ألف عين بتبكي….روحه بكيت على خسارته لإبنه بهاي اللحظة…..
نزلت دمعة قهر من أبو عاصم….
– الله يغضب عليك….يا خسارة بس….إنت من اليوم مش ابني…..لما أموت ما بدي تحضر دفني، أوعك تيجي بيوم تبكي على قبري لإنك مش ابني….الله يغضب عليك….
مشي أبو عاصم راسه للأرض و هو بيحكي الله يغضب عليك…يا خسارتك…..ابني مات….

عصب سعيد..
– ايش بدك تضلك صافن؟ كان رح يقتلك…كان بده يهينك…..يللا اطلع اتأخرنا….
طلع عاصم بالسيارة و هو مش عارف ايش اللي صار….بيعرف بس إنه أبوه انضرب من صاحبه بسببه…..بطل قادر يسمع ولا يشوف أي شي حواليه….مشهد واحد بس ضل يخطر على باله…
أبوه راكض فيه للمستشفى وهو طفل….بعد ما انجرحت ايده مرة و نزف كتير…وقتها كان يصرخ زي المجنون ابنييييي الحقوااا ابني….نفس عين أبوه اللي نزلت منها دمعة خوف عليه..اليوم نزلت منها دمعة خيبة أمل كبيرة…..
طلع أبو عاصم بالسيارة حط راسه على المقود و صار يمنع الدموع تنزل….هاد ابنه أول فرحة لإله…ابنه اللي رسم بباله مرة زمان كيف لما يكبر و يصير زلمة و يتباهى فيه قدام الناس..كيف لما رح يطلبله بنت الحلال و يوقف قدام الزلام بالجاهة و يحكي عن محاسنه، و إنه ابنه شخص بينشد فيه الضهر..تخيل مرة كيف رح يحمل احفاده بفرح…..
.تقريبا نفس شعور الموت…خيبة الأمل بالشخص اللي بنيت عليه أحلامك…نفس شعور الموت….

– يللا أدخلوا عليها واحد واحد، وما تحاولوا ابدا تخلوها تحس بحزن…
قام مهيب زي المجنون من الفرحة حتى يدخل لعند جمانة….
شاف نظرات أمها و أبوها….تراجع….حس بشعورهم…هو كمان أب..
-ادخلوا لعندها أول….
– ميلينا….دخليني جوا يا بنتي…

سعيد واقف بعيد…
ببصبص على خلود بدون ما ينتبه عليه عاصم…
خلود قاعدة جمب عاصم….لامسه ايده….
-رح اشتاقلك كتير…دير بالك عحالك….
– و أنا كمان…جبتي المصاري؟!
– اه حبيبي.تفضل…85 دينار….والله ما قدرت أجمع غيرهم….
اتضايق عاصم و صار يتأفأف..
– فففففف طيب ماشي…
– شووو؟ والله ما قدرت اجيب غيرهم…..
– يعني الواحد بفكر في وراه عنجد بنت بتحبه….
– حبيبي؟ شو مالك و الله بحبك هدول كل اللي قدرت اجيبهم.انت سمعتني لما طلبت من زهير….
– طيب طيب ماشي…خلص بدي الحق الطيارة و أنا الأهبل اللي أجلت سفري عشانك…
قام عاصم و مشي بعيد عنها…..صارت تلحقه بيأس…
– عاصم أنا اسفة…سامحني….
– بنحكي بالموضوع بعدين….
مشي و تركها….واقفة بنص الحديقة كرهانة حالها ليش ما قدرت تجيبله المبلغ كامل! بتفكر كيف رح تروح كل هاي المسافة مشي…ما ضل معها مصاري…

– حبيبي….
دمعت عيون مهيب و تكركب….
– انتي اللي حبيبتي….روحي و حبيبة عمري…..
– ااااخ موجوعة….تعبانة كتير…
ابتسم مهيب…جمانة كانت تتحرك ببطء و راسها مثبت…..الكلمة بتطلع معها غصب….
– يا ريت أنا ولا إنتي…يا ريت كل هالضربات بروحي ولا فيكي….بتعرفي؟ أنا هلأ أسعد شخص بالكون، أنا بس كنت بدي أسمع كلمة حبيبي منك….
ابتسمت جمانة رغم كل شي فيها…..بتكفي لمسة ايده لمهيب…بتنسيها أقوى وجع…
– خلص….ما تضل تبكي….عشاني…
مسح مهيب دموعه بكمه….و ضحك بيأس…
– ببكي لإني اشتقتلك….لإني كنت خايف عليكي كتير….
– امسك ايدي و ارفعها على شعرك….
مسك مهيب ايدها بحنية… حطها على راسه….
مرقت جمانة باصابعها على شعراته…..
– لا تخاف علي حبيبي….
مهيب كان حاسس بلمسات جمانة و مو مصدق…..صار يبوس أصابعها بحنية….
نزلت ايدها على عيونه….مسحتله الدمعة…
– خلص رح تبكيني….
– لا لا خلص هاه….هيني ما عم ببكي…
جمانة كان راسها ملفوف مع عينها اليسار…..لسا دايخة من البنج شوي…
– ماما طمنتني عن زينة….بس بدي تضلك معها…..هي أكيد خافت و هلأ بتكون محتاجتنا….
– لا تخافي حبيبتي….أنا هلأ رح أروح اقعد معها لآخر اليوم بس اتطمن عليكي….
– الحمدلله….الحمدلله على كل شي…أنا أحسن من غيري….كان ممكن أنا أو زيزي يصيرلنا اشي….
– ما تحكي هيك مشان الله…أعصابي تعبت والله…..
– يللا روح لزيزي….ضحكها و لعبها….احكيها ماما رح تجيبلك أخ صغير عشان تديري بالك عليه…
انخض مهيب من جواه….وضع مرته خطير….غصب حاله يبتسم…جمانة ما عرفت لسا إنه ابنها صار تحت التراب…
– اااه! هههه اكيد ان شاء الله….يللا خليني اروح لعندها…..
انفتح باب الغرفة…
– عفوا سيد مهيب بس بدي توقعلنا على هاي الفاتورة….
لمح مهيب رقم غريب 13 الف دينار…..سرق من جمانة نظرة و ارتبك….
– مين بعت هاي الفاتورة!
– الدكتور أحمد…طلب مني إنك توقع عليها!

الجزء الثالث : قريباً
الجزء الاول

Suhaib Albakkar
مرحباً انا صهيب ، مختص في السوشيال ميديا والتسويق الإلكتروني وتصميم المواقع الإلكترونية وإدارتها وتطويرها وتصميم الفيديو والإعلانات اتمنى لكم مشاهدة ممتعه لحسابي ومقالاتي .