حياة القاضي الجرجاني

معلومات مفيده عن النقد العربي القديم ظهَرَ النّقد العربيّ القديم منذ الجاهلية، وكان يجري في الأسواق العامة كسوق عكاظ، ويقوم على الأحكام الانطباعية، والذوقية والذاتية كما كانت عند النابغة الذبياني. وفي العصر الإسلامي، ارتبط النقد بالدين والأخلاق كما ظهر في أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأقوال الخلفاء الراشدين، ثم تطور في القرن الأول الهجري وأثناء الخلافة العباسيّة، فعرف النقد العربي عددًا غفيرًا من النقاد منهم: قدامة بن جعفر، وابن طباطبا في كتابه عيار الشعر، وابن قتيبة في الشعر والشعراء، وغيرهم كثير، ثم تطوّر النقد حتى وصل إلى القرن الرابع الهجري، وأصبح علمًا قائما بذاته له أصوله ومذاهبه وقضاياه التي يعرف بها[١]، ومن أبرز النقاد الذين عُرفوا في هذا العصر القاضي الجرجاني، فمن هو القاضي الجرجاني.

من هو القاضي الجرجاني

يُعرَف الجرجاني عند الإجابة عن سؤال: من هو القاضي الجرجاني بأنه أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن الحسن بن علي القاضي الجرجاني 322 هـ – 392 هـ، وهو عالم موسوعيٌّ بالإضافة إلى وأديب وناقد من أعلام القرن الرابع للهجرة، ولد القاضي الجرجاني في جرجان، وفيها نشأ بها وتلقى علومه الأولى، ثم رحل قبل أن يبلغ الحلم، وبصحبة أخيه إلى نيسابور لطلب العلم، وهناك اشتعلت جذوة العلم، وأكثر الرحيل في طلبه، فرحل إلى العراق والشام وغيرهما، وفي التعريف حول: من هو القاضي الجرجاني، يظهر أنه اتصل بالصاحب بن عبّاد الذي كان وزيرًا في بني بويه، فنزل عنده لفترة طويلة، ونال لديه مكانة عالية، فولاه قضاء جُرجان، ثم القضاء بالرِّيّ، إلى أن وصل إلى رئاسة القضاء، وبقي في منصبه هذا إلى وفاته في جرجان في عهد الخليفة القادر بالله من خلفاء الدولة العباسية. وكان الناقد عبد القادر الجرجاني صاحب إعجاز القرآن من أبرز تلامذة القاضي الجرجاني.[٢]

السرقات الشعرية عند القاضي الجرجاني

عند التعريف بمن هو القاضي الجرجاني، يقرأ القارئ عن رأيه في باب السرقات الأدبية في الشعر، فهو يقول: “تشبيه الحسن بالشمس والبدر، والجواد بالغيث والبحر، والبليد البطيء بالحجر والحمار، والشجاع الماضي بالسيف والنار، والصب المستهام بالمخبول في حيرته، والسليم في سهره، والسقيم في أنينه وتألمه، أمور متقررة في النفوس، متصوّرة للعقل، يشترك فيها الناطق والأبكم، والفصيح والأعجم، والشاعر والمفحم، حكمت بأن السرقة عنها منتفية، والأخذ بالاتباع مستحيل ممتنع”، فهو يرى أن التشبيهات السابقة والأخذ بها من قبل الشاعر هو من باب الأخذ بالمعاني المشتركة والمتداولة، وهذا مجال يستحيل فيه السرقة أي تشبيه الحسن بالشمس والبدر، ويمتنع وصف شاعر فيه بالسارق، والأصل في هذا التشبيهات لمن اهتدى إليها أولًا.[٣]

كما يذهب الجرجاني في التعريف بمن هو القاضي الجرجاني ورأيه في السرقات الشعرية إلى أن التشبيه إذا كان مُبتدَعًا لكنه اشتهر بين الناس وذاع، فلا يعدّ مسروقًا كذلك؛ لأنه جرى على ألسنة الشعراء؛ كتشبيه الفتاة بالغزال في جِيدها وعينيها، لكنه يذهب إلى أن التَفاضُل بين الشعراء يكون بزيادة في التشبيه والوصف يهتدي إليها أحدُ الشعراء، وعندها يقدم الشاعر المشترَك المبتذَل في صورة جديدة هي صورة المبتدَع المخترَع، وبهذه الزيادة تصبح المعاني الجديدة والتشبيهات الجديدة مِلْكًا لصاحبها، وما أخذ منها دون نسبته لصاحبه تعدّ سرقة، إلا في الوقت الذي يأخذ فيه شاعر آخر المعنى المبتدع من غيره وزاد عليه زيادة جيدة، أو اختصره في صورة جميلة قوية، فلا يعاب عليه في ذلك الأخذ والزيارة، وكان هذا نهج معظم الشعراء”.[٤]

ويقدّم الجرجاني مثالًا تطبيقيًا على المعاني المبتذلة التي يقدمها الشاعر فصورة المخترع المبتدع، بيتها للبيد بن ربيعة يقول فيه:[٥]

وجَلا السُّيولُ عن الطّلُولِ كأنّها

زبرٌ تجِدُّ متونَها أقْلامُها

أوْ رَجْعُ واشِمةٍ أُسِفَّ نَؤورُهَا

كففًا تعرَّضَ فوقَهنَّ وشامُها

الطبع والصنعة عند القاضي الجرجاني

عند التعريف بمن هو القاضي الجرجاني، يقرأ القارئ عن رأيه في الطبع والصنعة قد ورد في كتابه الوساطة بين المتنبي وخصومه، فهو يرى أنّ أهم الخصائص التي لا بد أن يتحلى بها الشاعر لإنتاج الشعر، هي: الذكاء والرواية والطَّبْع، ثم تكون الدُّربة قوةً لموهبة الشاعر الفطرية، ومن هذه الخصائص يظهر أن الجرجاني نصير للطبع على الصنعة.[٦] وقد قال الجرجاني في الطبع: “أن المطبوع الذكي لا يمكنه تناول ألفاظ العرب إلا رواية، ولا طريق للرواية إلا السمع، وملاك الرواية الحفظ”.[٧] كما يضيف في الطبع: “وتجد فيها الشاعر أشعر من الشاعر، والخطيب أبلغ من الخطيب، فهل ذلك أبلغ من جهة الطبع والذكاء وحدة القريحة والفطنة”،[٧] فعند الجرجاني كان الطبعر بما يصاحبه من خصائص هي ما يتفاضل به شاعر عن آخر، وخطيب عن آخر.

كتاب الوساطة للجرجاني

ذكر المؤرخون عند التعريف بمن هو القاضي الجرجاني سبعة مؤلفات مهمة له، من أبرزها كتاب الوساطة بين المتنبي وخصومه، وكتاب تفسير القرآن المجيد، وكتاب تهذيب التاريخ، وكتاب في الوكالة، وكتاب في الأنساب، وديوان شعري ضاع كثيره، ولم يصل منه إلا القليل. إلا أن الكتاب الأشهر من بينها كان كتاب الوساطة بين التنبي وخصومه.[٦]

وهو كتاب ألفه حين كان الخلاف حول المتنبي محتدمًا، يبجّله عدد من النقاد ويرتفعون به، بينما يراه آخرون شاعرًا عاديًا يقع في أخطاء ليست للناشئة من الشعراء حتى، فعمد الجرجاني في كتابه إلى الدفاع عن المتنبي، مفترضًا أن المتنبي شاعر كباقي الشعراء يخطئ ويصيب، مستفيدًا بذلك من معرفته بالتراث النقدي، فسلبيات بعض الشعراء الجاهليين لم تجعل النقاد يغفلون جوانب الجودة عندهم. والوساطة كتاب في النقد التطبيقي، إلى جانب النقد النظري، فذكر فيه رأيه في مفهوم الشعر وأدواته، وخصائص عمود الشعر في الشعر العربي، وفي العلاقة بين الشعر والدين، وفي السرقات الشعرية والمقاييس النقدية وجدواها.[٨]