مفهوم فن الخطابة والإلقاء

نبذه عن اهم صفات الخطيب يعدُّ النثر في الأدب العربي قسمًا من أقسام الفنون الإبداعيّة القديمة، وقد اشتهرت الفنون النثرية عند العرب منذ القدم، وكانت تتطوَّر مع مرور الوقت، كما كان لها عصور ذروة وعصور انحطاط كما للشعر تمامًا، وقد اشتهر فن الخطابة عند العرب منذ الجاهلية وزادتْ شهرته في الإسلام، كما اشتهر سجع الكهّان والوصايا والرسائل عند الجاهليين، وصولًا إلى القصة والقصة القصيرة والرواية التي ظهرت مؤخرًا، وفي هذا المقال سيتم الحديث عن تعريف فن الخطابة والإلقاء إضافة إلى الحديث الصفات التي يجب أن تتوفّر عند الخطيب والحديث عن الخطابة في العصر الجاهلي وأبرز الخطب الجاهلية أيضًا.

تعريف فن الخطابة والإلقاء

يمكن تعريف فن الخطابة على أنَّه نوع من أنواع النثر في الأدب العربي، وقسم من أقسام المحادثات وعرض الأفكار على المتلقين، وهو أن يقوم خطيب ما بإلقاء خطبة ما على جمعٍ من الناس المتلقين، يقصد بهذا الشيء استمالة المتلقين والتأثير فيهم، وقد اشتهر للخطابة تعريف بصياغة موحدة وهو: “فَنُّ مخاطبة الجماهير للتأثير عليهم واستمالتهم”.

ويُقال إنّ الخطابة هي كلام بليغ يُلقيه خطيب على بعض الناس، ولكنَّ شرط البلاغة في الخطبة ليس أساسيًا، إنَّما هو عائد على من كتب الخطبة وطابق كلامها مع مقتضى الحال الذي قيلت لأجله، وعائد إلى طبيعة الخطيب الذي يقوم بإلقاء الخطبة ومدى براعته وتأثيره وجذب الناس إليه.

ويمكن تعريف فن الإلقاء أيضًا على أنَّه نقل الأفكار وتوصيلها بطريقة شفهيّة للمتلقين، وهو الطريقة الأنسب للتعبير عمَّا يكنُّ الملقي في قلبه ونفسه، ويلقي الملقي ما يريد بطريقة بارعة تثير عواطف المتلقين وحماسهم وتلهب مشاعرهم كي يصل إلى ما يريد. [١]

صفات الخطيب

بعدُّ تعريف فن الخطابة والإلقاء سيتم ذِكر أبرز الصفات التي يجب أن يتحلَّى بها الخطيب العربيّ، ومن أشهر الصفات الجسمية والروحية التي يجب على الخطيب أن يتحلَّى بها هي الآتي: [٢]

  • العلم: يجب على كلِّ خطيب أن يكون متعلَّمًا داريًا بأسرار خطبته وخفاياها، يعرَّف ما يقول ويتحدث فيما يعرف فإذا زاد يزيد بعلم ومعرفة.
  • المهارة اللغوية: يجب على الخطيب أن يكون فصيحًا سليم اللغة، ضليعَ في أمور البلاغة والنحو.
  • الثقة بالنفس: يجب أيضًا أن يكون هادئًا واثقًا بنفسه، يستطيع أن يضبط نفسه على المنبر ويتعامل بهدوء مع نظرات المتلقين.
  • حركة الجسم: يجب على الخطيب أن يتفاعل بيديْهِ ورأسه مع الكلام الذي يلقيه، وهذا من باب جذب أنظار المتلقين إليه.
  • الإيمان بخطبته: يجب على الخطيب أيضًا أن يكون مؤمنًا مقتنعًا بما يلقي على الناس دون أي شكٍّ في ذلك.
  • تغيير في نبرة صوته: يجب على الخطيب أيضًا أن يغيِّر في نبرة صوته، فيحتدّ عندما يحتاج الموقف أن يكون محتدًا ويهدأ عندما يحتاج الموقف الهدوء.
  • توزيع النظرات على المستمعين: يجبُ عليه أيضًا أن يوزِّع أنظاره بين المتلقين بتساوٍ، وأن ينظر على الجميع دون استثناء.

الخطابة في العصر الجاهلي

وُجدت الخطابة العربية عند العرب منذ قديم الزمان، ولكنَّها جاءت بعد الشعر؛ لأن الشعر كان متفوقًا عليها في العصور الأولى للأدب، ثمَّ عادت الخطابة لترتفع عاليًا عندما أصبح الشعر سببًا لكسب المال، ارتفعت قيمة الخطابة والخطباء كثيرًا في العصر الجاهلي، فاشتهر خطباء كثر وأصبحوا يرفعون من شأن قبائلهم بين القبائل العربية، وأصبحت القبيلة العربية تتباهى بخطيبها كما كانت تتباهى وتُفاخِرُ بشعرائها، وكان من أشهر الخطباء العرب في الجاهلية: قسُّ بن ساعدة الإيادي وهانئ بن قبيصة الشيباني وعامر بن الظَّرِب وعمرو بن كلثوم التغلبي وأكثم بن صيفي وهاشم بن عبد مناف القرشي وغيرهم، وقد ازدهر فن الخطابة في الجاهلية لأسباب متعددة، كان من أهمِّها: [٣]

  • التحريض وشحن الهمم للقتال وأخذ الثأر.
  • وكانت أيضًا وسيلة للإصلاح ونشر السلم وأسبابه بين الناس.
  • الفخر والإشادة بالأنساب.

ويقول الجاحظ: “كانت خطبة قريش في الجاهلية، يعني خطبة النساء: باسمك اللهم ذكرت فلانة، وفلان بها مشغوف، باسمك اللهم، لك ما سألت، ولنا ما أعطيت”، وجديرٌ بالذكر إنَّ الخطبة الجاهلية اتّسمت بصفاتٍ متعدّدة منها ما يتعلَّق بالخطيب ومنها ما يتعلَّق بالخطبة كأن يصعد الخطيب على مرتفع قبل أن يبدأ بالخطبة، وأن يمسكَ بيده عصا يُومِئ بها، وأن يضعَ الخطيب عمامة على رأسه، ويجب أن يكون فطِنًا لبيبًا حاضر البديهة جهير الصوت قويَّ الحُجّة أمام الناس أجمعين.

أبرز الخطب الجاهلية

بعد الحديث عن فن الخطابة والحديث عن الخطابة في العصر الجاهلي، سيتم المرور على أشهر الخطب الجاهلية، ومما جاء من خطب جاهلية خطبة هاشم بن عبد مناف وهو يحثّ أهل قريش على إكرام الذين يأتي لزيارة بيت الله الحرام: [٤]

  • يقول هاشم:

“يا معشرَ قريشٍ، أنتم سادةُ العَرَبِ، أَحْسَنُها وُجُوهًا، وَأَعْظَمُها أحلامًا، وأَوْسَطُها أنسابًا، وأَقْرَبُها أرحامًا.

يا معشرَ قريشٍ، أنتم جِيرانُ بيتِ اللهِ، أكرمَكم بِوِلايَتِهِ، وَخَصَّكم بِجِوَارِه دونِ بني إسماعيلَ، وحَفِظَ منكم أحسنَ ما حَفِظَ جارٌ مِن جارِهِ، فَأَكْرِمُوا ضَيْفَهُ، وُزُوَّارَ بَيْتِهِ؛ فإِنَّهم يأتونَكم شُعْثًا غُبْرًا مِن كلِّ بَلَدٍ، فَوَرَبِّ هذه البُنِيَّةِ لو كان لي مالٌ يَحْمِلُ ذلك لَكَفَيْتُكُمُوه.

ألا وإِنِّي مُخْرِجٌ مِن طَيِّبِ مالي وحلالِه ما لم يُقْطَعْ فيه رَحِمٌ، ولم يُؤْخَذْ بِظُلْمٍ، ولم يَدْخُلْ فيه حَرَامٌ، فَوَاضِعُهُ فَمَنْ شاءَ منكم أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَ ذلك فَعَلَ، وأَسْأَلُكم بِحُرْمَةِ هذا البيتِ أَلاَّ يُخْرِجَ رجلٌ منكم مِن مالِه لِكِرَامَةِ زُوَارِ بيتِ اللهِ ومَعُونَتِهم إِلاَّ طَيِّبًا لم يُؤْخَذْ ظُلْمًا، ولم يُقْطَعْ فيه رَحِمٌ، ولم يُغْتَصَبْ”.

  • يقول قس بن ساعدة الإيادي:

“أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا وَعُوا، مَنْ عَاشَ مَات، وَمَنْ مَاتَ فَات، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آت، لَيْلٌ دَاج، وَنَهَارٌ سَاْج، وَسَماءٌ ذَاتُ أبْرَاجٍ، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ومهاد موضوع، وسقف مرفوع، ونجوم تَمور، وبحار لا تغور، وَنُجُومٌ تَزْهَر، وَبِحَارٌ تَزْخَر، إِنَّ فِي السَّمَاءِ لَخَبَرًا، وإِنَّ فِي الأرضِ لَعِبَرًا، مَا بَاْلُ النَّاسِ يَذْهبُونَ وَلاَ يَرْجِعُون؟!، أرَضُوا فَأَقَامُوا، أمْ تُرِكُوا فَنَامُوا؟، تبًّا لأرباب الغفلة من الأمم الخالية والقرون الماضية، يا معشر إياد، يا مَعْشَرَ إيَاد: أيْنَ الآبَاءُ والأجْدَادُ؟، وأيْنَ الفَرَاعِنَةُ الشِّدَادُ؟، أَلَمْ يَكُوْنُوا أكْثَرَ مِنْكُم مَالًا وأطولَ آجالًا؟، طَحَنَهُم الدهْرُ بِكَلْكَلِهِ، ومزَّقَهم بتطاوُلِه، ثم ينشد شعرًا:

في الذاهبينَ الأوليـ         ـنَ مِن القرونِ لنا بَصائرْ

لما رأيت مواردًا              للموتِ ليس لها مصادرْ

ورأيتُ قومي نَحوها        يمضي الأكابرُ والأصاغِرْ

لا يَرجعُ الماضي إلَيْـ       يَ ولا مِن الباقين غابرْ

أيقنتُ أني لا محا          لةَ حيثُ صارَ القومُ صائرْ