قصيدة من أجل الطفولة

تعرف على شرح من أجل الطفولة هو الشاعر السوري محمد سليمان الأحمد، ولد بدويُّ الجَبل في قرية ديفة في محافظة اللاذقية عام 1900م، وبدوي الجبل هو لقبٌ أطلقه عليه في العشرينيات يوسُف العيسى صاحب جريدة “ألف باء” الدمشقية، شاعر كلاسيكيٌّ تأثَّرَ بالمتنبي وأُعجبَ بالحضارةِ الأموية، دخلَ بدوي الجبل مجالَ السياسة وانتُخبَ عضوًا في مجلس الشعب السوري عام 1937م، وأعيد انتخابه عدَّة مرَّات وتولَّى عدَّة وزارات، وغادرَ سوريا عام 1956م متنقِّلًا بين لبنان وتركيا وتونس قبل أن يستقرَّ في سويسرا وقد ألهَمته غربتُه الكثير من القصائد الرائعَة، عاد إلى سوريا عام 1962م وبقي فيها حتى توفِّي عام 1981م، وهذا المقال سيتناولُ قصيدة من أجل الطفولة بالشرح ويبيُّنُ بعضَ معانيها. [١]

شرح قصيدة من أجل الطفولة

تعدُّ قصيدة من أجل الطفولة من روائعِ الشاعر بدوي الجبل والتي اشتُهرت في كثير من البلدان العربية وأُدرجَت في الكثير من المَناهج الدراسيَّة، وهذهِ القصيدة هي جزءٌ من قصيدةِ “البلبل الغريب” وهي قصيدةٌ كلاسيكية طويلة نسجَها بدوي الجبل على البحرِ الطويل يتحدَّثُ فيها عن غربته وآثارها المُضنية التي يلقَاها في غربتِه وعن حبِّه وشوقِه للأطفال والطفولة، حيثُ يقول في قصيدة من أجل الطفولة وهذه القصيدة كاملةٌ: [٢]

وهَل دلَّلت لِي الغُوطتانِ لبانة           أحَبّ من النعمَى وأحلَى وأعذَبا

وسيمًا من الأطفالِ لولاهُ لم أخفْ      -على الشَّيب- أنْ أنأى وأنْ أتغرَّبا

تودُّ النُّجوم الزهرُ لو أنَّها دُمى           ليختارَ منها المُترفات ويلعبَا

وعندِي كنوزٌ من حَنانٍ ورحمةٍ          نَعيمِي أنْ يغرَى بهنَّ وينهَبا

يجورُ وبعضُ الجَور حلوٌ محبَّبٌ           ولمْ أرَ قبلَ الطفل ظلمًا محبَّبا

ويغضبُ أحيانًا ويرضى وحسبُنا         من الصَّفوِ أن يرضَى علينَا ويغضَبا

وإنْ نالَه سقمٌ تمنَّيتُ أنَّني             فداءٌ لهُ كنتُ السقيم المعذَّبا

يزفُّ لنا الأعيادَ عيدًا إذا خطَا           وعيدًا إذا ناغَى وعيدًا إذا حبَا

كزغبِ القطا لو أنَّه راحَ صاديًا          سكبتُ له عيني وقلبي ليشرَبا

ينامُ على أشوافِ قلبِي بمهدِه        حريرًا من الوَشي اليماني مذهَّبا

وأُسدلُ أجفانِي غطاءً يظلُّه            ويا لَيتها كانَت أحنَّ وأحدبَا

وتخفقُ في قلبي قلوبٌ عديدةٌ        لقد كان شعبًا واحدًا فتشعَّبا

ويا ربّ من أجلِ الطفولةِ وحدَها       أفِض بركاتِ السِّلم شرقًا ومَغربا

وصُنْ ضحكةَ الأطفالِ يا ربّ إنَّها       إذا غرَّدت في مُوحشِ الرملِ أعشَبا

سيتمُّ شرح القصيدة بالتفصيل بيتًا بيتًا، حيثُ يبدأ بدوي الجبل في هذه القصيدة بتذكُّر حفيده وهو في الغربة ثمَّ يبدأ بالتغنِّي بالطفولة في بقية الأبيات، ويذكر الفرحة والسرور الذي يمنحه الطفل لمن حولَه في كلِّ مرحلة من مراحل نموِّه بكلمات رقيقة مؤثرة، وفيما يلي شرح الأبيات:

  • البيتان الأول والثاني: لقد تذكَّرتُ حفيدي وأنا في غربتي، فهل دللت الغوطتان هذه اللبانة -ويقصد بها حفيده- الذي أحبُّه أكثر من أي شيءٍ، وتذكَّرت تلك الأيام التي عشتها مع ذلك الوسيم في بلادنا، ولولا فراق ذلك الطفل لما خفتُ من الغربة التي أعاني منها رغم المشيب ورغم كبر سنِّي.
  • البيت الثالث: تتمنَّى النجوم اللامعة في السماء لو أنَّها تكون ألعابًا ودمىً حتَّى يختار منها الطفل الصغير ما يشاء ويلعبَ بها.
  • البيت الرابع: وأنا عندي من الحنان والرحمة كأنَّها كنوزٌ ثمينة، وأكبر نعمة عندي هي أن يعرف هذا الطفل معاني الرحمة والحنان التي في داخلي فيقترب ويغرف منها.
  • البيت الخامس: إنَّ هذا الطفل يظلمُ من حوله عندما يرفضُ هذا الحنان ولكنَّ ظلم الأطفال ممتعٌ ومحبَّبٌ إلى القلوب.
  • البيت السادس: وإنَّ هذا الطفل أيضًا يغضبُ علينا أحيانًا، وأحيانًا يرضى ويا لها من سعادةٍ أن يرضى ويغضب علينا هذا الطفل الرقيق الطاهر.
  • البيت السابع: ولو أنَّ هذا الطفل الصغير مسَّه مرضٌ لتمنَّيتُ أن أكون فداءً له وأن أمرضَ بدلًا عنه.
  • البيت الثامن: وهو يزفُّ أي يملأُ البيتَ بهجةً وفرحةً في كل مرحلة من مراحل نموِّه وكأن كل مرحلة عيدٌ بالنسبة لمن حوله، فيفرح الجميع عندما يحبو وعندما يبدأ بالكلام غير المفهوم وعندما يخطو أولى خطواته.
  • البيت التاسع: وبطفولته وبراءته يشبِهُ صغارَ طيور القطا التي لم ينبت ريشها بعد، ولو أنَّه عطشَ مرَّةً لأسقيتُه من ماء عيني وقلبي وسكبتها من أجله.
  • البيت العاشر: ولشدَّة حبي له أشعرُ وكأنَّه ينام على أشواق قلبي الذي فرشته له مهدًا مزيَّنًا بالحرير اليماني ومطرَّزًا بالذهب.
  • البيت الحادي عشر: وأغلقُ أجفاني لتغطِّي هذا الصغير وتحفظُه وترعاه وليستظلَّ بهما، وأتمنى لو كانا رغم كل ذلك أحنَّ وأرقَّ عليه بكثير.
  • البيت الثاني عشر: ولشدَّة حبي له فإنَّ قلبي أصبحَ قلوبًا كثيرةً حتَّى تتسع لذلك الحب الكبير، وكان في قلبي طريقٌ واحدٌ، لكنَّه تشعَّبَ أيضًا وأصبح طرقًا كثيرةً بحبِّه.
  • البيتان الثالث عشر والرابع عشر: يدعو الشاعر ويسأل الله تعالى أن يفيضَ بالسلام والأمن على كل بقاع الأرض من أجل أن تحيا الطفولة حياة مطمئنة وتنعم بحياتها، وأن يحفظَ ضحكات الأطفال الصغار لأنَّها حياة وطهارة إذا غردت في الرمل القاحل نبتَ فيه العشب ونما أي تبعثُ الفرحة والسرور في نفس من يسمعها.

معاني قصيدة من أجل الطفولة

تحملُ قصيدة من أجل الطفولة للشاعر الكبير بدوي الجبل الكثير من المعاني الرقيقة المتدفِّقة، فهي تتناولُ أسمى قضيَّة في الوجود قضية الطفولة، حيثُ يفيض الشاعر بمشاعره على الأطفال والطفولة، فيبدأ القصيدةَ بتذكُّر حفيده الصغير ومعاناةِ الغربة بسببِ فراقِ هذا الطفل، ثمَّ يتابعُ في بقيَّة الأبيات التغنِّي بالطفولة وكأنَّ الطبيعة كلَّها تتمنَّى أن تكون مسخَّرةً لسعادة الأطفال ويعبِّر عن الحنان والرحمة الموجودين في داخله تجاه هذا الصغير، ويعدِّد مراحل نمو الطفل التي تنشرُ الفرحةَ والبهجةَ كالأعياد في نفوس من حوله، ثمَّ يذكرُ الحبَّ العظيم الذي يحملُه للطفل ويختمُ بالدعاء للأطفال والطفولة في كلِّ أنحاء العالم ويسألُ الله أن يحلَّ السلام على الأرض لتعيش الطفولة بخيرٍ وطمأنينةٍ وتنعم بالحياة السعيدة الهانئةِ، فقال في آخر القصيدة: [٣]

ويا ربّ من أجلِ الطفولةِ وحدَها         أفِض بركاتِ السِّلم شرقًا ومَغربا

وصُنْ ضحكةَ الأطفالِ يا ربّ إنَّها         إذا غرَّدت في مُوحشِ الرملِ أعشَبا