الفلسفة الوجودية

الفلسفة هو دراسة كل ما يشمل القيم والعقل والوجود والمعرفة والخير والحب

تعريف الفلسفة الوجودية

الفلسفة الوجودية هي حركة فلسفية اتخذت من الإنسان موضوعًا لها، تؤكّد على حرية الفرد وقدرته على اتخاذ خيارات موثوقة وذات معنى بنفسه، من أهم روّادها سورين كيركجارد (Søren Kierkegaard) وفيودور دوستويفسكي (Fyodor Dostoyevsky) في القرن التاسع عشر، وكذلك مارتن هايدغر (Martin Heidegger) وغابريل مارسيل (Gabriel Marcel) وجان بول سارتر (Jean-Paul Sartre) وألبرت كاموس (Albert Camus) في القرن العشرين.

ومن تعاريفها الأخرى أنها حركة فلسفية حديثة تؤكد على أهمية التجربة الشخصية وتحمل المسؤولية للفرد الذي يُنظر إليه على أنه إنسان ذو إرادة حرّة بالكامل في كونٍ حتمي لا معنى له، ذلك وتُعارض الفلسفة الوجودية في معتقداتها الفلسفة العقلانية والفلسفة التجريبية.1

نشأة الوجودية

ظهرت الوجودية بعد الحرب العالمية الأولى وأصبحت ذات نفوذ كبير بعد الحرب العالمية الثانية، إذ ساد المجتمع بعد الحربين العالميتين شعور عميق باليأس والإحباط بسبب الأحداث المروعة التي حصلت في أثنائهما.

أدّت تلك الأحداث إلى معاناة النفس الإنسانية وعدم اليقين بشأن الوجود البشري والشعور بالقلق والاكتئاب وكذلك الشك في وجود الله، حيث اعتقد الإنسان آنذاك أنّ الإله لم يعد موجودًا، أو ربما لم يكن موجودًا بالأصل بسبب وجود الإنسان في مثل هذا العالم الفوضوي، كما أدركَ أنّ جميع الفلسفات التي ظهرت كالفلسفة العقلانية التي تركز على أهمية العقل غير قادرة على مساعدة الإنسان للخروج من معائقه.

لذلك ركزت الوجودية على مسألة الوجود الإنساني وفهم جوهرها، وأنّ للإنسان كامل الإرادة في اتخاذ قراراته العقلانية في عالم غيرعقلاني، جعلت تلك الفكرة الإنسان يلجأ إلى استكشاف قيم ومعانٍ جديدة في الحياة، وبما أنّ اعتقاده أن لا وجود للإله، فالطريقة الوحيدة لمجابهة الحياة هي محاولة فهم الوجود الإنساني.

قد ساهم العديد من الكتّاب في تطور وازدهار الفلسفة الوجودية وكان ذلك في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، كالكاتب الروسي الشهير فيودور دوستويفسكي والذي يُعتبر من أبرز رواد الفلسفة الوجودية، وقد عبّرت روايته مذكرات من العالم السفلي (Notes from Underground) عن الفكر الوجودي.2

أهم مبادئ الفلسفة الوجودية

نلاحظ أنّ كل فلسفة على حدى لديها أفكار ومبادئ ومعتقدات خاصّة بها، ولعل أهم مبادئ الفلسفة الوجودية ما يلي:

  • أنّ الوجود يسبق الجوهر؛ فنجد أنّ الفلسفة الوجودية تتعارض مع رأي الفيلسوف رينيه ديكارت (René Descartes) الذي آمن بأولوية الوعي على الوجود، بينما يؤكد الوجوديون أنّ الإنسان وُجدَ أولًا في عالمٍ ملموس ومتأصّل، وبذلك يسبق الوجود (في هذا العالم) الوعي وتلك هي الحقيقة المطلقة. إذًا نستخلص من ذلك أنّ الوجود يسبق الجوهر (الجوهر هنا هو المعنى الذي يُمكن أن يُعزى إلى الحياة).
  • عجز العقل عن فهم أعماق النفس البشرية؛ حيث رأى الفيلسوف كيركيجارد أنّ العقلانية هي عبارة عن آلية أو وسيلة يستخدمها البشر لمواجهة قلقهم الوجوديّ، أي خوفهم من الوجود في مثل هذا العالم، كما أكّد على وجوب اختيار الأفراد طريقهم بأنفسهم بدلًا من الاعتماد على معاييرٍ موضوعية.
  • دعا الفيلسوف فريدريش نيتشه (Friedrich Nietzsche) إلى أنه يجب على الفرد تقييم المواقف بنفسه، ولذلك يعتقد معظم الوجوديين أنّ الخبرة الشخصية وقناعات الفرد ذاته هي أمر أساسي لوصوله إلى الحقيقة.
  • وفقًا لكامو؛ فعندما تتصادم رغبة الشخص في الحصول على نظام مع عدم وجود نظام في العالم الحقيقي فالنتيجة هي العبثية.
  • قد تكون الفلسفة الوجودية هي فلسفة إلحادية أو لاهوتية، فقد صرّح بعض الوجوديين مثل نيتشه أن الإله قد مات، بل وأنّ مفهوم الإله بات قديمًا، بينما كان غيره من الوجوديين متديّنًا بشدة مثل كيركيجارد، لكن يبقى العامل الأهم في الوجودية هي أنّ للفرد حرية الاختيار في الإيمان أو عدم الإيمان.3

الأدب الوجودي

لقد عبّر العديد من الشعراء والفلاسفة والكتاب عن معنى الوجودية في أعمالهم الأدبية، ولعلّ من أبرز الأعمال الأدبية التي تؤيد الفلسفة الوجودية هي مسرحية Waiting for Godot أو “في انتظار غودو”، للكاتب المسرحي الشهير صمويل بيكيت (Samuel Beckett).

تصوّر لنا المسرحية شخصين يُدعيا استراجون (Estragon)، وفلاديمير (Vladimir)، ينتظران عودة غودو (Godot)، ومن خلال أحد مقتطفات المسرحية نجد أنّ فلاديمير يعبر عن شخصية روحية متدينة كونهُ يؤمن بمجيء غودو وإرشاده لهم. بينما نجد أنّ استراجون يعبر عن شخصية وجودية؛ حيث يعتقد أنه ينبغي عليهم عدم الانتظار، وأنّ ليس لديهم من الوقت ما يكفي لانتظار ذلك التوجيه الروحي ليأتي وينوّر أرواحهم وطريقهم، وعوضًا عن ذلك، يجب عليهم اغتنام الفرص واتخاذ القرارات بنفسهم دون الاعتماد على شخصٍ آخر، وذلك هو معنى الوجودية