نبذه عن تجربة خماسية عبد الرحمن منيف يشيرُ مصطلح الأدب العربي الحديث إلى الأدب العربي الذي ظهر في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ولم تكن هذه الحركة في تلك الفترة كالحركات التي سبقتها بسنوات مثل محاولة كل من جرمانوس فرحات عام 1732م، ومحاولة الألوسي في العراق في القرن الثامن عشر، بل نتجَ الأدب الحديث ثمرةَ حركتين أدبيتين هما: إحياء التراث القديم بالإضافة إلى ترجمة الآداب الغربية، وقد أسهم في نضوج الأدب الحديث أدب المهجر الذي ساهم بنقل أساليب الأدب الغربي إلى الأدب العربي، ومن أهم أدباء العرب في العصر الحديث: إبراهيم اليازجي، جورجي زيدان، عبد الرحمن الكواكبي، قاسم أمين وغيرهم، وهذا المقال سيتحدث عن الأديب الشهير عبد الرحمن منيف.[١]
المحتويات
عبد الرحمن منيف
عبد الرحمن منيف واحد من أهم روائيّي الأدب العربي في القرن العشرين، ولدَ في عام 1933م في العاصمة الأردنية عمَّان، والده سعودي ووالدته عراقية، تابع دراسته في الأردن حتى حصل على الشهادة الثانوية، رحل بعدها إلى بغداد حيثُ درس في كلية الحقوق عام 1952م، انضمَّ إلى حزب البعث هناك وبعد توقيع حلف بغداد عام 1955م طُرد من العراق مثل كثير من الطلاب آنذاك، فانتقل إلى مصر ليكمل دراسته فيها وبقيَ هناك حتى عام 1958م، حيثُ انتقل بعدها إلى بلغراد للحصول على الدكتوراه في اقتصاديات النفط، في عام 1962م سافر إلى دمشق ليعمل في الشركة السورية للنفط ثم إلى لبنان ليعمل في مجلة البلاغ، ثمَّ عاد إلى العراق ليعمل في مجلة النفط والتنمية، في عام 1981م سافر إلى فرنسا وهناك تفرغ للكتابة والتأليف، في عام 1986م عاد إلى دمشق وكان قد تزوج من سيدة سورية، وقد عاش بقية حياته في دمشق إلى أن توفي عام 2004م، وقد كان معارضًا لمعظم أنظمة الحكم في الدول العربية ومعارضًا للإمبريالية العالمية أيضًا.[٢]
التجربة الأدبية لعبد الرحمن منيف
استطاع الروائي منيف الذي يعدُّ من أشهر كتاب الأدب العربي المعارضين لأنظمة الحكم الشمولية أن يعكس من خلال رواياته واقعًا اجتماعيًّا وسياسيًّا مترديًّا في العالم العربي، وخاض بذلك تجربة أدبية فريدة في العصر الحديث، وكان واحدًا من أهم الروائيين في هذا المجال، وبما أنه كان خبيرًا في مجال النفط والبترول وهذا ما كان مجال دراسته استطاع أن يدركَ من خلال ذلك الحجم الاقتصادي الهائل المخبوء في النفط، فنقلَ من خلال تجربته الأدبية الروائية واقعًا عنيفًا شهدته الدول النفطية أو دول الخليج العربي في تلك الفترة وصوَّر من خلال معايشته وإحساسه العميق مدى التغييرات التي طرأت عليها بسبب ثورة النفط وظهر ذلك جليًّا في روايته الأشهر مدن الملح.[٢]
وبسبب معارضته للحكومات الشمولية خاضَ تجربةً في كتابة روايات تمسُّ الواقع السياسي التعيس وخاصةً في رواية شرق المتوسط، حيثُ جعل محور كتاباته حرية الإنسان وكيف يجب أن تكون، فأنار الطريق لزوايا خفية لم تكن واضحة في عوالم الرواية العربية، وساهم بتطوير المقومات الخاصة بالتعبير النفسي العميق من خلال التقاط الانفعالات الإنسانية في شكلها البدائي، واستخدم في كتاباته الألفاظ والتعابير الحديثة التي ظهرت في الثقافة الحديثة المعاصرة، وأعطى تلك الثقافة الجديدة مساحة واسعة في النتاج الأدبي العربي الحديث.[٢]
كتب عبد الرحمن منيف
رغم كل تلك الشهرة التي حازها الأديب عبد الرحمن منيف، إلا أنَّه لم يبدأ بالكتابة إلى بعد سنِّ الأربعين، وكان في تلك الفترة قد خاض تجربة واسعة في الحياة العملية متنقلًا بين عدة دول، وكان قد درس الحقوق واقتصاد النفط ما مكنه من خوض غمار هذا النوع من الكتابة، فكانت بداية أعماله الأدبية في عام 1973م في رواية الأشجار واغتيال مرزوق، ومن رواياته أيضًا: قصة حب مجوسية عام 1973م، النهايات عام 1977م وغيرها، وفيما يأتي سيتمُّ ذكر أهم كتبه مع لمحة موجزة عن كل منها:[٣]
- شرق المتوسط: لقد صوَّر منيف في روايته شرق المتوسط واقعًا سياسيًّا محتقنًا كانت وما زالت تعيشه معظم شعوب العالم العربي أو الشرق الأوسط كما يُطلق عليها، والذي يقع ضحيته دائمًا الشباب المتحمسون للحرية والحياة العادلة الكريمة، فكانت روايته هذه من أروع الكتب في أدب السجون وويلاتها، حيثُ تدور أحداث الرواية في مدينتين خياليتين هما موران وعمورية دون ذكر زمان محدد، ويشيرُ فيها إلى دول المتوسط وخصوصًا العراق وسوريا.[٤]
- عالم بلا خرائط: هي رواية من أشهر الروايات العربية كتبها منيف بالاشتراك مع صديقه الأديب الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا، وقد نجحا في ذلك لدرجة أن القارئ لن يتمكن من معرفة أنَّ شخصين قد قاما بكتابة فصولها، وتتداخل الإجابات فيها مع الأسئلة حتى يصعب التفريق بين السؤال والجواب، يتحدثان فيها عن أحداث شائكة بين الحب والجريمة والصراع بين الماضي والحاضر في مدينة عمورة التي سبقَ وتحدث عنها منيف في رواية شرق المتوسط، وكأنها تمثل عدة مدن عربية تخضع لنفس الواقع الاجتماعي والسياسي المضطرب.[٥]
- حين تركنا الجسر: يتناول فيها الكاتب فلسفةً وأفكارًا وأوهامًا تجسد الإنسان وتجلياته، ويشيرُ إلى صراع الإنسان مع ذاته ومع الوجود كله، حيثُ يتحدث عن صياد وبطة وكلب، وفي لحظةٍ ما يتحولون إلى حكيم ووزير وملكة، ومن خلال استنطاق الكاتب لهذا الصياد، يتحدث عن عوالم الإنسان وتداخلاتها.[٦]
- سباق المسافات الطويلة: تتناول هذه الرواية عالم الشرق السري المليء بالتلون والنفاق، من خلال الحديث عن بيتر الذي يعيش في إحدى بلاد الشرق مراقبًا انهيار سلطة إمبراطورية فيه، كانت تعتبر السيطرة على تلك البلاد رمزًا لقوتها وجبروتها.[٧]
خماسية عبد الرحمن منيف
تعدُّ هذه الرواية من أشهر الروايات في الأدب العربي الحديث، كتبها منيف بين عام 1984م وعام 1989م، تتألف الرواية من خمسة أجزاء منفصلة هي: “التيه، الأخدود، تقاسيم الليل والنهار، المنبت، بادية الظلمات”، تتناول الخماسية حياة المجتمعات العربية في دول النفط أو التي يُشار إليها في دول الخليج العربي، ويصوِّر منيف ببراعته وحذاقته وحدَّة بصيرته التطورات والتحولات التي طرأت على هذه المجتمعات مع بداية ظهور النفط، متناولًا ما حلَّ بالمدن والقرى من تغيرات بسبب مارد النفط الذي ضرب البلاد شرقًا وغربًا، يبدأ الحديث في الجزء الأول عن بداية ظهور النفط في الجزيرة العربية، ثمََّ يصورفي الجزء الثاني السلطة وأهلها وسياسة الصحراء النفطية التي تسهِّل دخول أمريكا إلى البلاد لتحقيق مآربهم، ثم في الجزء الثالث يتناول الصراع القبلي على الحكم وسيطرة أحد الزعماء على الحكم وتحالفه مع الغرب، بعد ذلك يغوص في أمور الهوية والانتماءات وغيرها.[٨]