الشاعر بشار بن برد من الشعراء المخضرمين حضر الدولة الاموية والعباسية ولد اعمى واتهم بالزندقة
بشار بن برد
هو بشار بن برد العقيلي، شاعر أموي عباسي ولد في البصرة عام خمسة وتسعين للهجرة وتوفي سنة مئة وسبع وستّين، عاصر الدّولتين الأموية والعباسية وكان أشعر شعرائِها في ذلك الوقت، أصله أعجميٌّ من طخارستان، وسُمّي بالعقيلي نسبةً إلى امرأة عقيليَّة يقال إنّها أعتقته بعد أن كان عبدًا ولد ضريرًا لم ير الدنيا بعينيه، وكان قبيح الشكل سيّئ الخُلُق، ووصف بأنه طويلٌ ضخم، جاحظ العينين، وكان من أشد الشعراء هجاءً لغيره فعرف ببذاءة لسانه وألفاظه مما أكسبه الكثير من الأعداء والخصوم، ولكن ذلك لا ينفي أنه كان من أكثر الشعراء براعة في نظم الشعر ومن أكثرهم تجديدًا في مظاهره، فمع أنه لم يبصر الدنيا بعينيه قطٌّ إلّا أن له من الشعر والوصف ما لم يستطع قوله المبصرون من الشعراء.
التجديد في شعر بشار بن برد
تميز شعر بشار بن برد عن غيره من شعراء عصره بالكثير من الظواهر وكانت ظاهرة التجديد هي الأكثر وضوحًا، ومن مظاهر التَّجديد التي تحدث عنها الناقدون:
- تراوح شعره بين القديم والحديث فلم يكن شاذًّا مخالفًا للذوق العام، وإنما كان مجددًا للماضي وباعثًا فيه روحًا جديدة تتفق مع العصر الذي عاش فيه.
- اشتُهر بتوظيف البديع في شعره وأتى بأشياء لم يأت بها أقرانه السّابقون، ولذلك صنفه النقاد في مقدمة الشعراء المحدثون.
- جاء بمعانٍ جديدة تتناسب مع عصره الذي ولد فيه، فلم يتبع طرق الشعراء التقليدية الذين تقيدوا بمن سبقوهم من الشعراء الجاهليين، فأحدث معانٍ جديدة تتناسب مع عصره الذي ولد فيه.
- حمل شعره الكثير من القضايا والمعاني الفلسفية والعلميّة الأمر الذي يعد جديدًا في ذلك الوقت.
- تزيّن شعره بالكثير من المحسنات اللفظية والبديعية، وقد وظفها أفضل توظيف مخالفًا الطرق القديمة التي سار عليها الشعراء في ذلك الوقت.
- استخدم صيغًا وأوزانًا جديدة في شعره لم يسبق لأحدٍ قبله أن استخدمها من قبل؛ فكان بهذا التجديد قد فتح الطريق لغيره من الشعراء لكي يخرجوا عما ألفوه من الأوزان والصيغ ويأتوا بصيغٍ وأوزانٍ جديدة.
- أكثر من استعمال الصور البيانية والتشبيهية في شعره وكان تصويره ينمّ عن خيالٍ واسعٍ وعقلٍ متقد، فبالرّغم من أنه كان ضريرًا إلّا أنه أتى بصورٍ وتشبيهاتٍ لم يأت بها المبصرون من الشّعراء، وربما كان السر في ذلك يعود لكونه أعمى فلم يتقيَّد بالصور الحسية التي اتبعها الشعراء فخرج عن المألوف وقلب التشبيهات وأتي بتصويرات جديدة نظمها من خياله الخاص والمتقد.
- برع بشار بن برد في تجسيد الصور والأفكار والمعاني وتشخيصها بشكلٍ يجعل القارئ يحس بكل تفاصيلها ويشعر بحركاتها، فلم تكن تشبيهاته تشبيهات عادية وإنما كانت مسرحا متحركًا يعيش معها القارئ ويتلمّسها بيده كأنها أرواحٌ تتجسد أمامه، وقد شهد له النقاد في ذلك وقالوا إنّه كان يحول الصور الحسيّة إلى صورٍ مادية تكاد أن تنطق.