وقفات تربويه في سورة المطففين

تعتبر سورة المطففين قانون إلهي وضعه الله سبحانه وتعالى على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وتحقق بهذا القانون العدل بين الناس، حيث كان الناس قبل قدوم النبي صلّ الله عليه وسلم لا يعدلون في الميزان، فورد عن ابن عباس رضي الله عنه انه قال ” لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبت الناس كيلا فأنزل الله عز وجل ويل للمطففين، فأحسنوا الكيل بعد ذلك”، بالإضافة إلى ذلك ورد فضل سورة المطففين في الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة، حيث أن رسول الله صلّ الله عليه وسلم قال ” من قرأ سورة المطففين سقاه الله من الرحيق المختوم يوم القيامة “.

فوائد تربوية من سورة المطففين

بدأت سورة المطففين بالتهديد للكذابين وبيان أفعالهم بالتطفيف، وجاء في نهاية السورة توضيح واستكمال لصفات المكذبين وسخريتهم من المؤمنين واستهزائهم بهم، وتباهيهم بهذا الاستهزاء، ثم أوضحت السورة أن الجزاء من جنس العمل، فكان جزاء المكذبين محسوم، وفي المقابل كان جزاء المؤمنين محسوم في قوله ” فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون “.

شملت سورة المطففين العديد من الفوائد والوحدات الموضوعية والتي من بينها :

الوعيد للمطففين في قوله ” ويل للمطففين “.

جزاء الفجار في قوله ” كلا إن كتاب الفجار لفي سجين “.

ردع المكذبين بالقرآن في قوله ” كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون “.

الجزاء الذي يحصل عليه الأبرار في قوله ” كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين “.

جزاء المؤمنين في قوله ” فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون “.

وجاء في فضل سورة المطففين عن أبي عبد الله عليه السلام قال ” من قرأ في الفريضة ويل للمطففين أعطاه الله الأمن يوم القيامة من النار، ولم يرها، يمر على جسر جهنم، ولا يحاسب يوم القيامة “.

روعة الترتيب في سورة المطففين

وشهدت سورة المطففين الترتيب في العقوبات بناء على الأعمال التي يقوم بها المكذبين، حيث أنه بعد تهديد المكذبين وتوضيح أفعالهم بالتطفيف، أردعهم الله بأن يكون كتابهم في أسفل الأرض، وانتظارهم العقوبة من الله سبحانه وتعالى في الآخرة إذا أصروا على أعمالهم السيئة، وأوضح الله سبحانه وتعالى عقوبة ثانية وهي حجبهم عن رؤية الله سبحانه وتعالى، وفي المقابل أوضح الله جزاء الذين استجابوا لأمر الله بأن كتابهم سوف يكون في المراتب العالية في الجنة، على أن يكون عقاب المكذبين الساخرين من المؤمنين النار، ذلك لأن الجزاء من جنس العمل.

وأيضا من روائع الترتيب في سورة المطففين كما علمنا أن السورة هي رقم 83 في ترتيب المصحف الشريف وعدد آياتها 36 آية، والآية الأولى من سورة المطففين جاءت مكونة من كلمتين ويل للمطففين، ونلاحظ كلمة ويل مؤلفة من ثلاثة أحرف وكلمة المطففين مؤلمة من 8 أحرف، أي أننا نستطيع أن نلاحظ ببساطة رقم 83 وهو رقم ترتيب السورة في المصحف.

وفي الآية الثانية ” الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ” تتكون الآية من 6 كلمات وعدد حروفها 30 وعددهما سويا 36 كلمة، وهذا إعجاز آخر، بأن تكون الآية الثانية هي نفس عدد آيات السورة.

وهناك إعجاز عددي آخر يتواجد في الآية الثالثة في قوله تعالى ” وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون “، حيث تتألف تلك الآية من 5 كلمات، عدد حروفها 24 حرفا، ويأتي الإعجاز في أن تلك الآية والآية السابقة لها يتحدثا عن المطففين الذين ينقصون في الكيل والميزان، ففي الآية الثانية تم وصفهم بأنهم إذا اكتالوا على الناس يستوفون، أي يأخذون حقهم بزيادة، وجاءت كلمة يستوفون 7 أحرف، أما في الآية الثالثة تم وصفهم بأنهم إذا كالوا الناس أو وزنوهم فأنهم يخسرون أي ينقصون الوزن، وجاء التعبير بالفعل يخسرون وعدد أحرفه 6 أحرف، وهذا يدل على النقص في عدد الكلمات بين الآية الأولى والثانية والنقص أيضا في عدد أحرف كلمتي الوصف.

عقوبة التطفيف في القرآن

يعتبر التطفيف من الأخلاق السيئة المذمومة التي حذر منها الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم القرآن الكريم، حيث توعد المطففين بويل وعذاب أليم في حالة عدم رجوعهم عن التطفيف، وكان العديد من الناس يظنون أن التطفيف في الميزان هو إنقاص الوزن عند البيع فقط، ولكن أوضح المفسرين غير ذلك، حيث قال الإمام ابن كثير رحمه الله ” المراد بالتطفيف هنا البخس في المكيال والميزان، إمّا بالازدياد إن اقتضى من الناس، وإمّا بالنقصان إن قضاهم”، وهذا يعني أن المطفف هو الشخص الذي يأخذ لنفسه أشياء أكثر مما يستحقها، وعندما يقوم بإعطاء الناس يعطي لهم أقل مما يستحقون، قال الله تعالى ” الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون “، وتوعد الله تلك الفئة من الناس بالعقاب الشديد في الدنيا والآخرة.