ما الفرق بين قوله تعالى ليعذبهم ومعذبهم

ورد فى القران الكريم العديد من الالفاظ المتشابهة فى اللفظ والمعنى مثل ليعذبهم ومعذبهم

الفرق بين قوله تعالى ليعذبهم ومعذبهم

وهنا يتبادر إلينا الإعجاز العلمي في الآية الذي يطرح أمامنا سؤال هام وهو: لماذا عبَّر بالمضارع في (يعذبهم) ، وعبَّر باسم الفاعل في (معذبهم)؟ في قول الله تعالى: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} وهنا يجب أن نتستعرض بالشرح كل ما جاء حول هذه الآية:

أولًا: تأويل علماء التفسير للآية

جاء الشطر الأول من الآية الكريمة وهو { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } في جميع كتب التفاسير بأن سنة الله في خلقه عدم نزول العذاب في قوم ورسولهم فيهم ، وجاء الشطر الثاني {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} بالعديد من التأويل والتفاسير وقد اختلف العلماء في تفسير المستغفرين وانقسموا يهم إلى مذاهب:

1- الأول: أن المستغفرين هم مسلمي مكة من المستضعفين بين المشركين.

2- الثاني: أن المستغفرين هم المشركون واستغفاراهم كان أثناء طوافهم بالكعبة، فكانوا يقولون: غرانك غفرانك لذلك منع الله عنهم العذاب.

3- الثالث: أنه في علم الله أنه سيكون لهؤلاء ذرية يؤمنون بالله ويستغفرونه.

3- الرابع: المعنى أنهم لو استغفروا ، أي أسلموا واستغفروا لم ينالهم العذاب ، فالآية استدعاء وترغيب في الإسلام طلباً للمغفرة.

ثانيًا: الاختلاف اللفظي بين (معذبهم – يعذبهم)

جائت الآية بلفظين هما (ليعذبهم) قال الله تعالى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} ، و (معذبهم) قال الله تعالى {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} وبالنظر فيهما نجد ما يلي:

1- في اللفظ الأول (ليعذبهم) اجتمع مع الكون المنفي (ما كان) لام الجحود المؤكدة للنفي (ليعذبهم).

2- جاء خبر كان (وما كان) في اللفظ الأول (ليعذبهم) جملة فعلية فعلها مضارع (يعذبهم).

3- جاء خبر كان (وما كان) في اللفظ الثاني (معذبهم) اسم فاعل مفرد (معذبهم) .

4- جملة الحال في اللفظ الأول (وأنت فيهم) الخبر فيها شبه جملة (فيهم).

5- جملة الحال في اللفظ الثاني (وهم يستغفرون) الخبر فيها جملة فعلية فعلها مضارع (يستغفرون).

ثالثًا: أسباب الاختلاف اللفظي

السبب الأول: تأكيد النفي 

وذلك من خلال اجتماع لام الجحود والكون المنفي (ما كان ليعذبهم)، وهو ما ذكره العديد من الأئمة مثل القاسمي ، والنيسابوري ، والألوسي وغيرهم من الأئمة الذين أوضحوا هذا الجانب البلاغي في الآية حتى أن الإمام الزمخشري رحمة الله عليه قال فيه تأكيدًا لهذا المعنى: اللام لتأكيد النفي، والدلالة على أنّ تعذيبهم وأنت بين أظهرهم غير مستقيم في الحكمة، لأن عادة الله وقضية حكمته أن لا يعذب قوما عذاب استئصال ما دام نبيهم بين أظهرهم وفيه إشعار بأنهم مرصدون بالعذاب إذا هاجر عنهم.

السبب الثاني: التجدد والاستمرارية

– جاء التعبير بالمضارع (ليعذبهم) ليدل على الحدوث والتجدد أي أن العذاب مرهون ببقاء الرسول فيهم وهو ما يعني أن الأمر قد يتجدد ويصبح له شأن آخر بعدم ووجود الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم

– جاء التعبير باسم الفاعل (معذبهم) ليدل على الثبوت والاستمرار والمعنى هنا أن زوال العذاب هو أمر ثابت مع الاستمرار في الاستغفار لأنه المانع الفعلي من العذاب

وقد طرح السامرائي بيان يوضح فيه هذا الاختلاف اللفظي ، قال فيه : ” فقد جاء في صدر الآية بالفعل: (ليعذبهم) وجاء بعده بالاسم: (معذبهم) وذلك أنه جعل الاستغفار مانعًا ثابتًا من العذاب بخلاف بقاء الرسول بينهم فإنه -أي العذاب- موقوت ببقائه بينهم. فذكر الحالة الثابتة بالصيغة الاسمية والحالة الموقوتة بالصيغة الفعلية”

آيات في الاستغفار وأهميته

– {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [سورة النساء: 106]

– {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [سورة النساء: 110]

– {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا } [سورة نوح: 10-12]