تنبؤ الرسول بفتح بلاد لم يدخلها المسلمون إلا بعد وفاته

من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم تنبؤ الرسول بفتح بلاد لم يدخلها المسلمون إلا بعد وفاته

في شهر مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، نستعرض عددًا من دلائل نبوته ومعجزاته، ومن بين تلك المعجزات الأحداث التي تنبأ صلى الله عليه وسلم بوقوعها ووقعت بالفعل، وهي كثيرة، ومن بينها فتح البلدان والثغور واتساع رقعة الدولة الإسلامية والروايات في ذلك متعددة.. وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سيكون لأمته من حكم وملك، ففي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن الله زوى لي الأرض أو قال إن ربي زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة ولا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم…” ويرى النووي ان الحديث يدل على أن أغلب ملك أمته سينتشر بشكل عرضي، في جهتي المشرق والمغرب لا الشمال والجنوب، فيقول النووي في شرحه للحديث: “فيه إشارة إلى أن ملك هذه الأمة يكون معظم امتداده في جهتي المشرق والمغرب وهكذا وقع وأما في جهتي الجنوب والشمال فقليل بالنسبة إلى المشرق والمغرب”.

كانت مصر من بين البلدان التي بشر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بفتحها، فأوصى الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بمصر رواية أبي ذر الغفاري رضي الله عنه في صحيح مسلم، حيث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ وهي أرْضٌ يُسَمَّى فيها القِيراطُ، فإذا فَتَحْتُمُوها فأحْسِنُوا إلى أهْلِها، فإنَّ لهمْ ذِمَّةً ورَحِمًا، أوْ قالَ ذِمَّةً وصِهْرًا، فإذا رَأَيْتَ رَجُلَيْنِ يَخْتَصِمانِ فيها في مَوْضِعِ لَبِنَةٍ، فاخْرُجْ مِنْها قالَ: فَرَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ شُرَحْبِيلَ بنِ حَسَنَةَ، وأَخاهُ رَبِيعَةَ يَخْتَصِمانِ في مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَخَرَجْتُ مِنْها”، ومعنى قوله يذكر فيها القيراط هو معيار في الوزن والقياس اختلف تقديره باختلاف الأزمنة والأمكنة، أما ذمة ورحمًا، أي حقًا ورحم لأن هاجر أم إسماعيل عليهما السلام جاءت من مصر.

كذلك بشر الرسول صلى الله عليه وسلم بفتح القسطنطينية، على الرغم من كونها بلدة بعيدة للغاية عن آمال المسلمين حينها، بل وعاصمة دولة الروم، أكبر الدول وأعظمها حينذاك، فقال صلى الله عليه وسلم: “لتُفتحن القسطنطينية فلنِعمَ الأميرُ أميرُها، ولنعم الجيشُ ذلك الجيش”، وقد فتحت القسطنيطينية في القرن التاسع الهجري في عهد محمد الفاتح الخليفة العثماني الشهير، أي بعد بشارة الرسول صلى الله عليه وسلم بفتحها بمئات السنين.

كذلك بشر النبي صلى الله عليه وسلم بفتح الحيرة وفتح كنوز كسرى وقيصر، فيروي الحاكم في المستدرك قصة إسلام عدي بن حاتم حين جاء للرسول صلى الله عليه وسلم بعدما سمع بنبأ خروجه حتى يتبين صدقه من كذبه، فأتاه عدي سائلًا أياه عن أمور فقال له النبي: إنك لتسأل عن شيء لا يحل لك في دينك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “يا عدي بن حاتم أسلم تسلم”، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” فلعلك إنما يمنعك عن الإسلام أنك ترى من حولي خصاصة ، إنك ترى الناس علينا ألبا ” ثم قال : ” هل رأيت الحيرة ؟ ” قلت : لم أرها وقد عرفت مكانها ، قال : ” فليوشكن أن الظعينة ترحل من الحيرة بغير جوار حتى تطوف بالبيت ، وليفتحن علينا كنوز كسرى ” قلت : كسرى بن هرمز ، قال : ” كسرى بن هرمز ، ويوشك أن لا يجد الرجل ماله صدقة”، يقول عدي: فرأيت الظعينة ترحل وأحلف ليفتحن الثانية بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الحق .

لا يتوفر وصف للصورة.

كان النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُعَلِّمُ النَّاسَ ويُرَبِّيهم بالقَول والفِعل، فكان يَصبِر على جَهْلِ الجاهِل وجَفائِه ويُعَلِّمُه بالحِكمَة، وكان كِبارُ الصَّحابَة يَعرِفون للنَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قَدْرَهُ ومَقامَهُ، ويَتَسابَقون إلى طاعَتِه وقَبول بُشْرَياتِه، وهذا الحديثُ يُوضِّح بعضًا مِن ذلك، فعن أبي موسى -وهو الصَّحابِيُّ الجليل عبدُ الله بن قَيسٍ الأشعريُّ رضِي الله عنه- أنَّه قال: “كنتُ عند النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو نازِلٌ” أي: مُقيم في سَفَرِه “بالجِعْرانَةِ بين مكَّة والمَدينَة” كذا وقع هنا أنَّ الجِعْرانَة بين مكَّة والمَدينَة؛ ولكن قال العُلماءُ: بأنَّ هذا وَهْمٌ، والصَّواب أنَّ الجِعْرانَة بين مكَّة والطَّائِف، وهي إلى مكَّة أَقْرَبُ. وقوله: “ومعه بلال” وهو ابنُ رَباح المُؤَذِّنُ. “فأَتَى النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَعْرابِيٌّ” والأَعْرابيُّ مِن البَدْوِ وسُكَّان الصَّحَراء، ويَغْلُب عليهم الجَفاءُ والغِلْظَة وقِلَّة الفِقْه “فقال: ألا تُنْجِزُ لي ما وَعَدْتَني؟” أي: ألا تُوفِي وتُعَجِّل ما وَعَدْتَني مِن غَنِيمَة حُنَيْن، أو كان ذلك وَعْدًا خاصًّا به، وكان طَلَبُه أن يُعَجِّلَ له نَصيبَهُ مِن الغَنيمَة، فإنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم كان أَمَرَ أن تُجْمَعَ غَنائِم حُنَيْن بالجِعْرانَة، وتَوَجَّه هو بالعَساكِر إلى الطَّائِف، فلمَّا رَجَعَ منها قَسَّمَ الغَنائِم حِينئذٍ بالجِعْرانَة؛ فَلِهذا وَقَعَ في كَثيرٍ ممَّن كان حَدِيثَ عَهْدٍ بالإسلامِ اسْتِبْطاء الغَنيمَة، وكان السَّبب في تَأخيرِ القِسْمَة أنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يَرجوا أن يُسْلِمَ أهلُ السَّبْيِ، وكانوا سِتَّة آلافِ نَفْسٍ مِن النِّساءِ والأطفالِ، كما جاء في حَديثِ المِسْوَرِ عند البُخاريِّ، فقال له النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (أَبْشِرْ). أي: كُنْ مُسْتَبْشِرًا بقُرْبِ القِسْمَة أو بالثَّوابِ الجَزيلِ على الصَّبْرِ “فقال” الأعرابيُّ للنَّبِيِّ: “قد أَكْثَرْتَ عَلَيَّ مِن أَبْشِرْ” وهذا مِن جَفاءِ الأعرابيِّ وغِلْظَتِه وعَدمِ مُراعاتِه لِمَقامِ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كما ينبغي، “فأَقْبَلَ على أبي موسى وبِلال كَهَيْئَةِ الغَضْبانِ” أي: تَوَجَّه النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إليهما على هَيْئَةٍ يَظهَرُ منها أنَّه غَضْبان مِن رَدِّ الأعرابيِّ، “فقال” لهما النَّبِيُّ: (رَدَّ) الأعرابيُّ ورَفَضَ (البُشْرَى، فاقْبَلَا أنتُما). البُشْرَى وخُذاها لَكُما واقْبَلوها، “قالا: قَبِلْنا يا رَسولَ الله. ثم دَعا بِقَدَحٍ” أي: طَلَبَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يُؤْتَى له بإِناءٍ ووِعاءٍ، “فيه ماءٌ، فغَسَلَ يَدَيهِ ووَجْهَهُ فيه، ومَجَّ فيه” أي: طَرَحَ ما في فَمِهِ مِن الماءِ في الإناءِ “ثم قال: (اشْرَبا منه وأَفْرِغا) وصُبَّا (على وجُوهِكُما ونُحُورِكُما). مُثَنَّى نَحْر وهو العُنُق والرَّقَبَة (وأَبْشِرا). فأَخَذا القَدَحَ ففَعَلا” ونَفَّذا ما أَمَرَهُما به النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهذا لأنَّهُما يَعْلَمانِ بَرَكَةَ النَّبِيِّ ولا يَتَقَذَّرانِ مِن فِعْلِه هذا، ولا مِن أن يَشْرَبا مِن الماءِ الذي غَسَلَ فيه يَديهِ ووَجْهَه وطَرَحَ فيه ما في فَمِهِ مِن الماءِ، ولَعَلَّ هذا مِن التَّعليمِ للأعْرابيِّ ومَن شابَهَهُ؛ لِكَي يَعْرِف قَدْرَ النَّبِيِّ ويَقْبَل منه ما يَأمُرُه به، “فنادَتْ أُمُّ سَلمةَ” وهي زَوجةُ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأُمُّ المؤمنين رضِي الله عنها “مِن وَراءِ السِّتْرِ” مِن خَلْفِ الحِجابِ السَّاتِر لها عن النَّاسِ فقالت: “أن أَفْضِلَا لِأُمِّكُما” أي: أَبْقِيَا لي مِن الماءِ ولا تَشْرَباهُ كُلَّهُ “فأَفْضَلا لها منه طائِفَةً” أي: أَبْقَيَا لها بَقِيَّةً بعضًا مِن الماءِ..
وفي الحَديثِ: مَشْروعِيَّة غَسْلِ اليَدَينِ والوَجْهِ في الإناءِ.
وفيه: بَيان ما كان عليه بعضُ الأعرابِ مِن الجَفاءِ والغِلْظَة حتَّى مع النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
وفيه: بَيان حِرْص الصَّحابَة الكِرامِ على قَبولِ بُشْرَيات النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
وفيه: مَنْقَبَة وفَضِيلَة لِبَعضِ الصَّحابَة وهُم أبو موسى الأشعريُّ وبِلالُ بن رَباحٍ وأُمُّ سَلمةَ رضِي الله عنهم جميعًا.
وفيه: مَشْروعِيَّة قَوْل الرَّجُلِ لأَخيهِ “أَبْشِرْ” إذا طَلَب منه شَيئًا.