نشأة المدرسة البنيوية

تعريف المدرسة البنيوية واهم مبادئها يُعْنى النقد الأدبيّ بدراسة ومناقشة الأدب وتفسيره وتقييمه، فهو يعتمد في الغالب على النظريّة الأدبيّة التي تهتمُّ بالنّقاش الفلسفيّ لطرائق النقد الأدبيّ وأهدافه، وعند الخوض في مضمون بعض المؤلّفات، لا يمكن للقارئ أن يجدها تفرِّقُ بين النقد الأدبيّ والنظريَّة الأدبيَّة، بينما يَعتبرالعديد من النّقاد أنّ النّقد الأدبيّ يتمثّل في التطبيق العمليّ للنظريّة الأدبيّة؛ وذلك لأنّ النقد يتعامل بشكلٍ مُباشرٍ مع أيّ عملٍ أدبيٍّ، فالنقد الأدبي هو دراسة النصّ الأدبيّ ليخرج بنصٍّ جديدٍ على يدّ النّاقد، ولذلك عُدَّ الناقد هو المُبدع الثاني للنصّ الأدبيّ، وقد تنوّعت مناهج النقد الأدبيّ وتطوّرت، لينتقل النقد بذلك إلى الحداثة، ومن هذه المناهج النقديّة البُنيوية، وفيما يلي عرض مُقتضب يحتوي على تعريف المدرسة البنيويّة.[١]

تعريف المدرسة البنيوية

من المعروف أنَّ التطوُّر بشكل مُستمر هو سُنّة الطبيعة؛ لذلك فقد تتغيّر وتتطوّر نظرة الإنسان إلى الفنّ والجمال وذلك يعود لأسباب عدّة، ومن مظاهر التغيُّر في نظرته تطوُّر الإبداعات الأدبيّة بأنواعها كافّة، مع التطوّر في أساليبها وتحليلاتها، وهكذا حتى ظهرت المناهج الأدبيّة التي تتبنّى العمل الأدبيّ، ومنها المدرسة البنيويّة، ولتوضيح تعريف المدرسة البنيويّة، لا بُد من الوقوف على دلالتها اللغويّة، فتعريف المدرسة البنيويّة لغويًّا تحدَّر من بنى يبني بناءً، أما على الصعيد الاصطلاحي للمعنى؛ فيمكن تعريف المدرسة البنيويّة على بأنّها النظر في البناء والتصميم الداخليّ للأعمال الأدبيّة، ويشمل ذلك كثيرًا من الرموز والدلالات، بحيث يمكن لأي عنصر أن يتبع عنصر آخر،[٢] والبنيوية ذات صلة مرتبطة بشكل وثيق بالحداثة، فقد أفادت من منجزات دي سوسير في اللغة من حيث طريقة بحثها في العلاقات ومحاولتها في اكتشاف القوانين التي يخضع لها النصّ الأدبي ّوالبناء الوظيفيّ له.[٣]

نشأة المدرسة البنيوية

وبعد تعريف المدرسة البنيوية، لا من تحديد بداياتها ونشأتها؛ فترجع بداية المنهج البنيويّ في النقد الأدبيّ اللغويّ إلى منتصف القرن العشرين، وكان ظهوره بالتحديد في فرنسا في الستينيّات من القرن العشرين، وذلك عند قيام “تودوروف” بترجمة الأعمال الخاصة بالشكلانيّين الرّوس إلى اللغة الفرنسيّة، وقد ظهر ذلك بكتابٍ بعنوان “نظرية الأدب، نصوص الشكلانيين الروس”، فكانت حركة الشكلانيّين التي ظهرت في روسيا بين عامَيْ 1915 و1930م، هي أوّل مصادر البنيوية وأهمّها، وقد عُنيت بقراءة النصّ من الداخل؛ لأنَّ الأدب بنظهرهم يعتبر نظامًا ألسُنيًّا للواقع وليس انعكاسًا لهُ؛ ولذلك قاموا باستبعاد علاقة الأدب بالفلسفة والأفكار والتاريخ، أمّا عن ثاني مصادر البنيويّة فهو النقد الجديد الذي ظهر في الأربعينيّات من القرن العشرين، ورأى أتباعه أنّ الشعر هو نوع من الرياضيات لا حاجة فيه للمضمون، إنّما الأهمّ هو القالب الشعريّ. ولعلّ أهم مصادر البنيويّة التي ساعدت في نشوئها هو ذيوع صيت علم اللسانيّات الخاصّ بدي سوسير الذي يعدّ رائد الألسنيّة البنيويّة ومن قام على تعريف المدرسة البنيوية، فبالرغم من عدم استعماله لكلمة “بنية” إلّا أنّهُ قد مهّد لاستقال النصّ الأدبيّ وفرّق بين اللغة والكلام، وكما اتّفق العديد من الدارسين؛ فإن العوامل التي سلف ذكرها كانت من أهم عوامل نشوء المدرسة البنيويّة.[٢]

مبادئ المدرسة البنيوية

من المعروف أنّه عند الحديث حول تعريف المدرسة البنيوية لا بُدَّ من دراسة مبادئها ومُعتقداتها؛ فممّا لا شكّ فيه أنّه عند دراسة أيّ منهجٍ أو ظاهرة أو تحليلها، يعني أن يباشر المُحلل بدراسة حيثيّاتها وتفاصيلها بشكل موضوع، الأمر الذي يجعله يحلله من غير تدخل فكره أو عقيدته الخاصّة في بنيان النص، وقد تلاقت المواقف البنيويّة عند مبادئ عامّة اشتركت عند المفكرين الغربيّين، في شتّى تطبيقاتهم العمليّة، والتي تكاد أن تندرج في المُحصّلات الآتية:[٤]

  • يسعى المنهج البنيوي دائمًا لحل مشكلة التنوذع والتشتّت، وذلك من خلال توصله لثوابت معينة في كل مؤسّسة بشريّة.
  • من أهمّ مبادئ المدرسة البنيوية أنّ أساسها هي فكرة الكليّة أو المجموع المنتظم.
  • أنّه إذا ما سارت البنيويّة في خطوطٍ مُتصاعدة منذ بداية النشأة، وبذل عُلماء اللغة بذلك جُهدًا كبيرًا حتى يتمّ اعتمادها كأساس ثابت في قضايا الُّلغة؛ فإنّهم يتوصلوا من خلالها إلى المنهج الصحيح الذي يؤدّي إلى الحقائق الثابتة.
  • النقد البنيوي ينحى اتجاهًا خاصًا في دراسة الأدب، يتلخّص بأنَّ الانفعالات والأحكام الوجدانيّة تعجز عن تحقيق ما يتمّ إنجازه عند دراسة العناصر الأساسية المكونة لهذا الأثر، لذلك يجدر تفحُّصه في ذاته من أجل المضمون والسِّياق والترابط العضويّ.
  • لم تُولي البنيويّة أي اهتمام للأسس العقديّة والفكريّة لأيّ ظاهرة، سواء كانت إنسانيّة أو أخلاقيّة أواجتماعيّة، ويمكن تصنيفها بذلك أنّها مع المناهج الماديّة الإلحاديّة.

أعلام النقد البنيوي

لقد عاش الغرب قبل ظهور المدرسة البنيوية في القرن العشرين في ظلّ سيطرة الوجوديّة والماركسيّة، فقد عُرف عندهم التقدُّم الماديّ والرّخاء الملموس، إلّا أنّ الغرب أدركوا وعرفوا أنّ مثل هذا التطوُّر لن يجعل الإنسان أكثر سعادة، فظهرت البنيوية التي عملت على السيطرة على كافّة مجالات المُجتمع الغربي وانتقل صداها إلى العالم العربي والإسلاميّ وكان لها الأثر على التُّراث العربيّ كلّه، وقد اهتمّت البنيويّة في بدايات ظهورها بجميع نواحي المعرفة الإنسانيّة، وفيما بعد تبلورت وتطوّرت في ميدان البحث اللغويّ والنقد واعتبرت الأسماء التي سيرد ذكرها في السطور اللاحقة هم مؤسّسو البنيويّة وأبرز أعلامها وهم من اهتموا بتعريف المدرسة البنيوية وبيان أهم مبادئها، والجدير بالذكر أن فرديناند دي سوسير يعدُّ الرائد الأوّل للبنيوية في اللغة، الذي قال بأنّ سياق اللغة لا يمكن أن يقتصر فقط على التطوريّة، وأنّ تاريخ الكلمة لا يعرض معناها الحالي، وقد بحث في أصل النظام أو البنية. أما أعلامها الآخرون فيمكن ذكر منهم ما يأتي:[٢]

  • رولان بارت.
  • تزفيتان تودوروف.
  • بليخانوف.
  • جان ماري أوزياس.
  • شتراوس.
  • جيرار جينييت.
  • بول ريكور.
  • جان بويون.
  • لوقاد هوش.