نبذه عن تحليل قصيدة سربروس في بابل

تعرف على محتوى تحليل قصيدة سربروس في بابل إنَّ الشعر العربي الحديث هو الشعر الذي كُتب في العصر الحديث، وكلمة الحديث تعني الفترة الزمنية التي كُتِبَ فيها والتي تتميّز فيها طبيعة الحياة عن باقي الأزمنة في السابقة، والشعر العربي الحديث هو الشعر الذي كُتبَ بعد النهضة العربية، وهو شعر مختلف عن الشعر العربي القديم من حيث المضمون والأغراض الشعرية والتراكيب والجمل والألفاظ، فهو يواكب العصر وقضاياه ويطرقها متجاوزًا المواضيع المكرورة التي طرحها الشعر العربي القديم عبر العصور، وهذا المقال مخصص للحديث عن شرح قصيدة سربروس في بابل للشاعر بدر شاكر السيّاب وسيتم المرور أيضًا على بعض قصائد بدر شاكر السياب الشعرية. [١]

تحليل قصيدة سربروس في بابل

بعد ما وردَ من حديث عن الشعر العربي الحديث، سيتم تقديم شرح إحدى قصائد الشعر العربي الحديث وهي قصيدة سربروس في بابل للشاعر العراقي الكبير بدر شاكر السيّاب، ويقول بدر شاكر السيّاب في قصيدته سربروس في بابل: [٢]

ليَعْوِ سربروس في الدروبْ

في بابلَ الحزينة المهدَّمهْ

ويملأ الفضاء زمزمهْ

يُمزق الصغارَ بالنيوب، يقضم العظامْ

ويشرب القلوب

عيناه نيزكان في الظلامْ

وشدقه الرهيبُ موجتان من مُدى

تُخبِّئ الرَّدى.

أشداقه الرهيبة الثلاثة احتراقْ

يؤجُّ في العراق

ليعوِ سربروس في الدروب

وينبش التراب عن إلهِنا الدفينْ

تمُّوزنا الطعينْ،

يأكله: يمص عينيه إلى القرارْ،

يقصِم صُلبه القوي، يُحطِّم الجِرار

بين يديه، ينثر الورود والشقيقْ.

أواهٍ لو يُفيق.

إلهُنا الفتي، لو يُبرعمُ الحقولْ،

لو ينثر البيادر النُّضار في السهولْ،

لو ينتضِي الحسامَ، لو يفجِّر الرعود و البُروق و المطرْ

ويُطلق السُّيول من يديه. آه لو يؤوب!

ونحن إذا نبصُّ من مغاور السِّنين

يرى الشاعر السيّاب واقع العراق في مطلع قصيدة سربروس في بابل يرى كلَّ الدمار والخراب الذي يحيط به، فيرمز للشر بسربروس وهو الكلب الذي قتل تموز الإله الذي يمثل أسطورة الحياة والموت اليونانية، وهو رمز للخير والحياة المتجددة، فيرمز السياب للشر بسربروس الذي قتل الإله تموز ويصف سربروس بأنه تمادى في الخراب حتّى أنّه وصل إلى ما هو تحت التراب فأخرجه وجدد موتَهُ، هو تموز إله الحياة الذي يتمنّى السياب عودته من جيد لأنه رمز الحياة الجديدة، ورمز للربيع بعد الخريف والماء بعد الجفاف.

نرى العراقَ، يسألُ الصغارُ في قُراه:

ما القمح؟ ما الثمر؟

ما الماءُ؟ ما المُهود؟ ما الإله؟ ما البشرْ؟

فكل ما نراه

دمٌ ينزُّ أو حبالٌ، فيه، أو حُفرْ

أكانت الحياة

أحبَّ أن تُعاشَ، و الصغارُ آمنين؟

أكانت الحقولُ تزهرْ؟

أكانت السماءُ تمطرْ؟

أكانت النساءُ و الرجالُ مؤمنينْ

بأن في السماءِ قوةً تُدبِّر،

تحسُّ، تسمعُ الشَّكاة، تبصرُ،

ترقُّ، ترحم الضِّعاف، تغفرُ الذنوبْ؟

أكانت القلوبْ

أرقَّ، و النفوسُ بالصفاء تقطرُ؟

و أقبلت إلهةُ الحصادْ،

رفيقةُ الزهور و المياه و الطُّيوبْ،

عشتارُ ربَّة الشمال و الجنوبْ،

تسير في السُّهول و الوِهادْ

تسير في الدُّروب

تلقطُ منها لحمَ تموز إذا انتثرْ،

تلُمُّه في سلة كأنه الثمرْ

كثيرة هي الأسئلة والاستفسارات في خيال الشاعر السياب، يسأل عن القمح والثمر والماء والإله تموز، يسأل عن مدى إيمان النّاس وثقتهم بوجود قوّة خارقة تدبر الأمر وتنبت العشب والشجر وتعيد الحياة، قبل أن ينتقل إلى الحديث عن أسطورة عشتار وهي إلهة الخصب عند اليونانيين، عشتار رفيقة الماء والعطر وورد، عشتار التي تمشي في هذه الحقول لتجمع أجزاء جسد الإله تموز وتوزع جسده ثمرًا على النَّاس لكي يتبرّكوا بقداسته.

 

لكن سربروس بابلَ الجحيم

يخُبُّ في الدروب خلفها ويركضُ،

يُمزقُ النعالَ في أقدامِها، يُعضعِضُ

سيقانَها اللِّدانَ، ينهشُ اليدين أو يُمزق الرداءْ،

يلوِّث الوشاحَ بالدم القديم

يمزجُ الدمَ الجديد بالعُواءْ

ليعوِ سربروس في الدروبْ

لينهشِ الإلهةَ الحزينة، الإلهةَ المروَّعةَ؛

فإن من دمائِها ستُخصِبُ الحبوبْ،

سينبتُ الإله، فالشرائحُ الموزَّعةُ

تجمَّعتْ، تململتْ، سيولدُ الضياءْ

من رحمٍ ينزُّ بالدماءْ

ثم يعود الشاعر ليصف ما يفعله سربروس بعشتار الآلهة التي جاءت لتلمَّ أجزاء تموز المقدسة كالثمر، فيصف كيف جاء سربروس بالجحيم وهاجم الإلهة عشتار ونزف دمها وأساله وما زال يعوي في الدروب وينشر الشر والفزع، وينهش الإلهة عشتار ويسيل دمها الذي سيسقي حبوب الأرض وينبت آلهة جديدة، لأن الآلهة والضوء والنور تجيء من الدم كما قال.

قصائد بدر شاكر السياب

بعد الحديث عن شرح وتحليل قصيدة سربروس في بابل للشاعر العراقي بدر شاكر السيّاب، لا بدَّ من المرور على بعض قصائد الشاعر الأخرى للتمعّن أكثر في تجربته الحديثة مع شعر التفعيلة، فهو أحد مؤسسي التفعيلة مع نازك الملائكة التي كان لها دور كبير في تأسيس التفعيلة وانتشارها.

  • يقول بدر شاكر السياب في قصيدته المسيح بعد الصلب:  [٣].

بعدما أنزلوني، سمعتُ الرياحْ

في نواحٍ طويلٍ تسفُّ النحيلْ

والخطى وهي تنأى، إذن فالجراح

والصليبُ الذي سمروني عليه طوالَ الأصيلْ

لم تمتنِي وأنصتُ:كان العويلْ

يعبر السهل بيني و بينَ المدينةْ

مثل حبلِ يشدُّ السفينةْ

وهي تهوي إلى القاع، كانَ النواحْ

مثلَ خيطٍ من النورِ بين الصَّباحْ

والدُّجى، في سماءِ الشتاءِ الحزينةْ

ثم تغفو -على ما تحسُّ- المدينةْ

  • ويقول أيضًا في قصيدته العمودية التي تبين قدرته على صياغة الشعر العمودي:

هبت تغمغم: سوف نفترقُ               روح على شفتيكِ تخترقُ

صوتُ كأنَّ ضرامَ صاعقةٍ                   ينداحُ فيهِ وقلبيَ الأفقُ

ضاقَ الفضاءُ وغامَ في بصَرِي            ضوءُ النُّجومِ وحُطِّمَ الألَقُ

فعلى جفونِي الشاحبات وفي          دمعي شظايا منه أو مزَقُ

فيم الفراق؟ أليس يجمعنا               حبٌّ نظلُّ عليه نعتنِقُ؟

حبٌّ ترقرقَ في الوعودِ سنًا              منه ورفَّ على الخطى عبقُ

 

أختاه، صمتكِ ملؤه الرِّيبُ؟                 فيمَ الفراقُ؟ أما له سببُ؟

الحزنُ في عينيكِ مرتجفٌ                 واليأسُ في شفتيكِ يضطربُ

ويداك باردتان: مثل غدي                  وعلى جبينكِ خاطرٌ شَجِبُ

ما زالَ سرُّكِ لا تجنِّحُهُ                       آهٌ مأججةٌ: ولا يثبُ

حتَّى ضجرتُ بهِ وأسأمَهُ                   طولُ الثواء وآدهُ التَّعَبُ

إنِّي أخافُ عليكِ واختلجتْ                 شفةٌ إلى القُبُلاتِ تلتَهبُ

 

ثم انثنيتِ مهيضةَ الجلَدِ                     تتنهَّدينَ وتعصرينَ يدي

وتردِّدينَ وأنتِ ذاهلةٌ                         إنِّي أخافُ عليكَ حزنَ غدِ

فتكادُ تنتثرُ النجومُ أسًى                    في جوهن كذوائب البردِ

لا تتركي لا تتركي لغدِي                   تعكير يومي ما يكون غدي

وإذا ابتسمت اليومَ من فَرَحٍ                فلتعبسنَّ ملامحُ الأبدِ

ما كانَ عمري قبلَ موعدنا                  إلا السنين تدبُّ في جسدِ

 

أختاهُ لذّ على الهوى ألمي                 فاستمتعي بهواكِ وابتسمي

هاتي اللهيبَ فلستُ أرهبُهُ                ما كانَ حبُّكِ أوَّلَ الحِمَمِ

ما زلتُ محترقًا تلقَّفنِي                      نار من الأوهام كالظُلَمِ

سوداءُ لا نورٌ يضيءُ بها                     جذلان يرقص عاري الفدَمِ

هاتِي لهيبكِ إنَّ فيه سنًا                  يهدي خطاي ولو إلى العَدَمِ