ملخص رواية الغريب

تعرف على احداث رواية الغريب إنّ العبثية في الأساس مدرسة قامت على فكرة العبث، والعبث عندهم يعني أنّ الإنسان وجوده في هذه الحياة إن هو إلّا عبثًا؛ بمعنى أنّ أفعاله وتصرّفاته كلّها ليس لها معنًى، وإنّما الإنسان يجترّ فقط أفكاره وأفكار من سبقه بعد أن فقد القدرة على رؤية الأشياء بحجمها الطّبيعيّ، وذلك جاء ردّة فعل بعد أن صارت الآلة مسيطرة على حياة الإنسان لدرجة العبوديّة لها، وكان الإنسان قبل ذلك يحاول أن يفعل العكس، وقد نشأت هذه المدرسة في الأدب الأوروبيّ، وبعد ذلك انتقلت إلى آداب العالم الأخرى، وجدير بالذّكر أنّ أهمّ شخصيّتين في هذه المدرسة هما صمويل بيكيت، وألبير كامو صاحب رواية الغريب.[١]

مؤلف رواية الغريب

إنّ رواية الغريب قد جاءت من وحي كاتب مثير للجدل اسمه ألبير كامو، أو كامي بحسب التّرجمات، وهو كاتب فرنسيُّ الجنسيّة، جزائريّ الميلاد، ولد في مدينة موندافي في الجزائر من أعمال ولاية قسنطينة لأسرة نصرانيّة كاثوليكيّة من أب فرنسيّ وأمّ إسبانيّة إبّان احتلال فرنسا الصّليبيّ للجزائر، وكان ذلك عام 1913م، بعد ولادته بسنوات قليلة مات والده في الحرب العالميّة الأولى، وعاش مع أمّه بفقر شديد، وكانت أمّه مصابة بصمم جزئيّ، درس في الجزائر تعليمه الأساسيّ، واستكمل دراسته الجامعيّة في جامعة الجزائر في قسم الفلسفة، وأنهى دراساته العليا عام 1936م، وكان من الذين وقفوا ضدّ الاحتلال الفرنسيّ للجزائر.

ومع بداية الحرب العالميّة الثّانية انضمّ إلى المقاومة الفرنسيّة التي كانت تقاوم النّازيّين بقيادة هتلر، وهناك التقى بجان بول سارتر الأديب الفرنسيّ الذي ازدهرت على يديه المدرسة الوجوديّة المرادفة للمدرسة العبثيّة، وقد حصل ألبير كامو صاحب رواية الغريب قبل وفاته بثلاثة أعوام على جائزة نوبل للآداب عام 1957م؛ إذ مات كامو عام 1960م في حادث يُقال إنّه من تدبير السّوفييت الذين وقف ضدّ نظرتهم الشّيوعيّة وحاربها بقوّة، ولكن ما من دليل على أنّ الحادث قد دبّره السّوفييت.[٢]

ملخص رواية الغريب

إنّ رواية الغريب غريبة فعلًا كاسمها، وربّما يكون الاسم تعبيرًا عن شخصيّة الكاتب نفسه؛ فهو غريبٌ قد ولد في مجتمع غريب، وعاش حياته بغرابة، والرّواية باختصار تنقسم قسمين: قسم قبل جريمة القتل، وقسم بعد الجريمة، وهي تتحدّث عن شابّ فرنسيّ يعيش في الجزائر أثناء الاحتلال الفرنسيّ اسمه مورسو، تبدأ رواية بحديث للبطل يُخبر فيه أنّ أمّه قد ماتت، ولكن لا يذكر تمامًا متى ماتت، فيذهب لمأوى العجزة -أو دار المسنّين- لحضور العزاء، ويتصرّف تصرّفات غريبة مع حارس المأوئ والممرّضة، وكذلك فإنّه لم يبكِ على وفاة أمّه، بل ربّما لم يحزن، ورفض رؤيتها قبل الدّفن؛ فهذه الشّخصيّة غير مبالية نهائيًّا ويؤكّد ذلك ما فعله ليلة العزاء الأولى، وفي اليوم الثّاني حين تعرّف على فتاة وذهب معها وشاهدا فيلمًا ساخرًا وبعدها ذهبا إلى البحر، وكذلك فقد أقام معها علاقة، ويصف الكاتب بعدها تصرّفات مورسو العبثيّة بالتّفصيل وبدقّة عالية لا تتأتّى لأيّ كاتب.

وبعد أن تمرّ الأحداث وتسرُدُ رواية الغريب عبثيّة مورسو تصل إلى المشهد المفصليّ وهو أنّ مورسو -بطل رواية الغريب كما أُشير آنفًا- يذهب مع بعض أصدقائه إلى الشّاطئ، وهناك يلتقون بشباب من العرب الجزائريّين، وتحدث مشكلة بين أحد العرب وبين صديق مورسو، وبعد أن تنتهي المشكلة ويذهب كلّ واحد إلى جهة يعود مورسو بعد قليل من الوقت إلى مكان المشكلة، فيرى الشّابّ العربيّ من بعيد يحمل سكّينًا، وتكون الشّمس وقتها حارّة جدًّا، فيمسك مورسو المسدّس الذي كان قد خلّصه لصاحبه وتحت وطأة حرارة الشّمس يطلق مورسو خمس رصاصات إلى صدر العربيّ فيرديه قتيلًا، ويؤخذ إلى السّجن، وتجري محاكمته، ولكنّ الغريب في الأمر أنّ مورسو لا يرى أنّ الذي ارتكبه جرمًا يحتاج إلى هذه الأهميّة، بل يرفض توكيل محامٍ؛ لأنّه يرى أنّه لم يرتكب جرمًا عظيمًا، وإنّما المسألة بسيطة جدًّا، ولكنّ المحكمة توكّل له محاميًّا.

وأثناء محاكمة مورسو تستند المحكمة إلى أدلّة تراها تثبت عدم مبالاته، كتصرّفاته يوم دفن أمّه والأيّام التي بعدها، وكذلك ردوده وإجاباته للقاضي في أنّ سبب قتله للعربيّ هو الشّمس التي أحرقته وأفقدته التّركيز على تصرّفاته، ما يثير سخرية كلّ من كان في المحكمة، ثمّ بعدها وهو في السّجن يأتيه الحرس ليخبروه أنّ كاهنًا يريد أن يجلس معه ليطهّره من ذنوبه أو ما شابه ذلك، فيرفض متذرّعًا بأنّه لا يؤمن بالله -سبحانه وتعالى-؛ ممّا يزيد من غضب المحكمة عليه، وتُثبت أنّه قتل العربيّ عمدًا؛ إذ لو كان خطأً كما قال لضربه برصاصة على الأقلّ وليس خمس، وهكذا يحكمون على مورسو بالإعدام، ويُساقُ في يوم إلى المقصلة ليُنفّذ فيه الحكم، وفي هذا اليوم تصل عبثيّة مورسو وعدم مبالاته إلى ذروتها، وتدور في رأسه مشاعر كثيرة تسردها رواية الغريب، ولكن أهمّها أنّه ليس نادمًا على القتل، وأيضًا فهو كان سعيدًا وما زال.[٣]

وختامًا، فإنّ رواية الغريب وأمثالها من الأعمال الأدبيّة التي تحمل أفكار أصحابها المشبوهة لتزرعها في لا وعي الإنسان يُفضّل لمن يقرؤها أن يبقى متيقّظًا ويتنبّه إلى كلّ كلمة وعبارة تمرّ معه، وقد يستطيع أصحابها إخفاء تلك السّموم عن القارئ، وتزيّنها بلبوس الحضارة والأدب العالي حتّى لا يشعر المرء بهذا السّمّ إلّا وهو يجري في جسده[٣]، كما يقول البوصيريّ رحمه الله:[٤]

كم حسّنَتْ لذّةً للمرءِ قاتلةً

من حيثُ لم يدرِ أنّ السّمّ بالدّسمِ

اقتباسات من رواية الغريب

قد ورد في رواية الغريب كلام جميل يستحقّ أن يوقف عنده؛ فهو يعبّر عن جوهر عبثيّة كامو التي نظّر لها كثر قبله، وفيها -أحيانًا- كلام يستحقّ أن يتأمّله المرء كثيرًا، وأن يقف عند كلّ كلمة فيها؛ فمهما كان محتواها إلّا أنّه لا يخلو من حكمة هنا أو هناك، والحكمة ضالّة المؤمن، ومن تلك الأقوال:[٣]

  • المساء في هذا البلد أشبه بهدنة حزينة.
  • عارٌ على البشريّة أن ينتحر أحدهم وقد كان في حاجة إلى عناقٍ طويل.
  • إنّ الإنسان يجد متعة حينما يستمع إلى النّاس وهم يتحدّثون عنه، حتّى وإن كان يجلس على مقاعد المتّهمين.
  • في ذلك الليل الذي يفيض بالنّجوم أحسستُ للمرّة الأولى برقّة اللّامبالاة وعذوبتها، وأحسستُ أيضًا أنّني كنتُ سعيدًا في يوم من الأيّام، وما زلتُ حتّى الآن.

ألبير كامو وسارتر

إنّ كامو الغريب صاحب رواية الغريب قد التقى بسارتر حين ذهب انضمّ للمقاومة للدّفاع عن حريّة فرنسا ضد النّازيّة، وصارت بينهما علاقة قويّة امتدّت لسنوات، ولكنّ اختلاف وجهات نظر الرّجلين إلى الحياة وإلى ثوابتها وفلسفتها كان من شأنه أن يجعل العلاقة بينهما تتوتّر إلى أن تصل في النّهاية إلى القطيعة.

سارتر الاشتراكيّ الذي ينظر إلى الأمور من وجهة نظره الوجوديّة، وكامو البرجوازي -مذهبًا- ينظر إلى الأمور من وجهة نظره العبثيّة، وفي النّهاية الاختلاف في الرّأي قد أفسد للودّ قضيّة بينهما، كما يفسد كثيرًا من العلاقات دائمًا، فمثلًا يرى سارتر أنّه يمكن استعمال العنف من أجل تغيير الواقع القائم، بينما ألبير كامو لا يرى ذلك، وهذا ما أشار إليه في رواية الغريب حين حكمت المحكمة بالإعدام على مورسو، والقطيعة حصلت حين نشر كامو كتابه المعروف الإنسان المتمرّد الذي حظي بتقدير كبرى الصّحف الفرنسيّة كالفيغارد واللوموند، وقد أثار هذا الكتاب استياء سارتر وانزعاجه وعدَّ ذلك طعنة في ظهره من صديقه القديم، وكان سارتر وقتها قد انضمّ علنًا إلى المعسكر الشّيوعيّ الستالينيّ، وهو بذلك سيحارب المعسكر البرجوازيّ الذي يقف فيه ألبير كامو صاحب رواية الغريب.

وعندها كلّف سارتر أحد أعضاء مجلّته التي أنشأها بنفسه -وكانت بعنوان الأزمنة الحديثة- أن يعرضَ الكتاب وينقده ويفنّده، وجاء الرّدّ قاسيًا على كامو الذي تفاجأ من هذا الهجوم القاسي، حتّى قيل إنّه اختلّ توازنه ولم يعد يستطيع الرّدّ على جماعة سارتر لمدّة طويلة من الزّمن، ولكنّه استعاد توازنه وبدأ الرّدّ على سارتر وجماعته باتّزان وقوّة، ولم تقف المناوشات بينهما إلّا بعد وفاة كامو بحادث سيّارة قيل إنّ عملاء الكي جي بي قد دبّروه له، ومات صاحب رواية الغريب عن سبع وأربعين سنة، أو ستّ، وبهذا تنتهي قصّة ألبير كامو أحد أكثر الكتّاب المثيرين للجدل، ورحل غريبًا كما كان يرى نفسه ربّما، وكما صوّر العالم في رواية الغريب التي كانت أوّل رواية يكتبها.[٥]