مفهوم الحرب الباردة

حقائق عن اهم مرحل الحرب الباردة حرب بدأت بين الشرق والغرب، حرب مخفية، حرب بين فكرين متناقضين، كيف بدأت وكيف انتهت وما أبرز أحداثها؟

الحرب الباردة تعني إعلان حالة العداء بين دولتين، لتسخر كل دولة تسخر كل إمكاناتها من أجل القضاء على الدولة الأخرى، بما فيها الوسائل السياسية والاقتصادية، ولكن دون أن تصل إلى درجة استخدام القوة وإعلان الحرب بين الدولتين، واقترنت الحرب الباردة بمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث ساهمت القنبلة الذرية في منع القطبين المتناحرين الشيوعي والرأسمالي من اللجوء للخيار العسكري لحل مشاكلهما، وحسم صراعاتهما.

الحرب الباردة مصطلح ظهر في النصف الثاني من القرن العشرين، ليشير إلى طبيعة العلاقة بين القطبين المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، القطب الأول، هو القطب الشيوعي بزعامة الاتحاد السوفييتي، والقطب الثاني، هو القطب الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث اختفت مظاهر التحالف الذي ظهر بين الدولتين العظميين في عام 1941 ضد ألمانيا النازية، لتتحول العلاقات إلى تنافس وصراع بين هاتين القوتين هدفها إفناء الآخر، ولأن القنبلة الذرية كانت عنصرا مشتركا لدى الطرفين فقد أصبح الصراع محدودا بالوسائل السياسية والاقتصادية وإنشاء التحالفات بعيداً عن استخدام الخيار العسكري الذي سيؤدي حتماً إلى فناء البشرية، ولاسيما أن إلقاء القنابل الذرية على هيروشيما وناغازاكي أثبت للعالم فداحة الأضرار التي قد يتسبب بها استخدام هذا النوع من الأسلحة على أرض الواقع.

ما هي الحرب الباردة وما مفهومها؟

أول من استخدم مصطلح الحرب الباردة هو الصحفي الإنكليزي جورج أوريل في عام 1945، في مقالة له  بعنوان “أنت والقنبلة الذرية” نشرها في 19 / تشرين الأول أكتوبر في عام 1945 في صحيفة تريبيون البريطانية، ليصبح مصطلحاً شائعاً، للدلالة على فترة التوتر والمواجهة الأيديولوجية والسياسية بين القطبين الشيوعي بزعامة الاتحاد السوفيتي، والرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، ولا يوجد اتفاق بين المؤرخين على موعد محدد لبدء الحرب الباردة، لكن الغالبية ترى أن موعد الحرب بدأ منذ أعلن رئيس الاتحاد السوفييتي جوزيف ستالين امتلاك بلاده القنبلة الذرية، التي كانت واشنطن قد امتلكت مثلها منذ عام 1944 واستخدمتها ضد هيروشيما وناغازاكي، ما أجبر اليابان على الاستسلام وإسدال الستار على الحرب العاليمة الثانية، كما انتهت الحرب الباردة مع انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991م.

مراحل الحرب الباردة

لم تكن الحرب الباردة على سوية واحدة من التوتر طيلة الخمس وأربعين عاماً، لذا يمكن تقسيم الحرب الباردة إلى مراحل عدة تبعاً للتطور التاريخي، وللأدوات المستخدمة في هذه الحرب:

المرحلة الأولى، مرحلة المواجهة من عام 1947-1956

حيث بدأت بامتلاك الاتحاد السوفيتي القنبلة الذرية، بعد ثلاث سنوات على امتلاك الولايات المتحدة الأمريكية لهذه القنبلة، من هنا بدأ سباق التسلح بين القوتين العظميين، واستمرت حتى وفاة الرئيس السوفياتي ستالين، وإعلان خروتشوف في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي أن بلاده لم تعد تنظر للعلاقات مع واشنطن على أنها علاقات عداء، وأهم ما ميز هذه المرحلة تطبيق الولايات المتحدة الأمريكية لسياسة الاحتواء التي نظّر لها عضو في وزارة الخارجية الأمريكة آنذاك جورج كينان George F. Kennan (1904-2005)، واعتبر بذلك مهندس الحرب الباردة، وعين في عام 1952 سفيراً للولايات المتحدة الأمريكية لدى الاتحاد السوفيتي، وتقوم سياسة الإحتواء على محاصرة الاتحاد السوفييتي ومنعه من التمدد إلى دول أوربا الغربية وباقي دول العالم.

وتطبيقاً لهذه السياسة وبعد إعلان الحكومة البريطانية عجزها عن تمويل حلفائها في اليونان ضد الأحزاب الشيوعية قام الرئيس الأمريكي هاري ترومان بإعلان مبدئه الذي يقوم على تقديم واشنطن 400 مليون دولار لليونان لمنع وقوعها في الفلك الشيوعي السوفيتي، وبعد ذلك أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية “مشروع مارشال” (وهو اسم وزير الخارجية الأمريكي آنذاك)، ويقضي المشروع بتقديم مساعدات اقتصادية إلى كل من تركيا واليونان اللتين كانت تعيشان أزمة اقتصادية خانقة، فخشيت الولايات المتحدة الأمريكية من أن تؤدي هذه الأوضاع الاقتصادية إلى استلام أحزاب موالية للشيوعية في هذين البلدين المحاذيين للاتحاد السوفيتي فكان الحل بتقديم هذه المساعدات، حيث ساهمت في نجاح الجيش اليوناني في الانتصار على الشيوعيين في اليونان، وإبعاد اليونان عن الاتحاد السوفييتي.

ورداً على ذلك قام الاتحاد السوفييتي بتأسيس مجلس التعاون الاقتصادي عام 1949، ونجح في القضاء على انقلاب حصل في تشيكوسلوفاكيا هدفه إخراج الحزب الشيوعي فيها من السلطة عام 1948، وتمكن الحزب الشيوعي في الصين من استلام السلطة بعد حرب أهلية دامت سنوات، فربح الاتحاد السوفيتي الصين وتحالف معها في وجه الدول الغربية التي رفضت الاعتراف بالصين الشيوعية وإعطائها مقعدا دائما في مجلس الأمن بدلاً من تايوان التي لجأ لها الحزب الموالي للغرب، ونتيجة لذلك قاطع الاتحاد السوفييتي اجتماعات مجلس الأمن واستمرت المقاطعة حتى اندلاع الحرب الكورية (1950-1953) حيث استغلت الدول الغربية غياب الاتحاد السوفييتي واصدرت قراراً في مجلس الأمن بإدخال قوات أمريكية بريطانية إلى جانب كوريا الجنوبية لاحتلال كوريا الشمالية، فعاد الاتحاد السوفييتي للحضور في مجلس الأمن منعاً لصدور قرارات مماثلة، ووقف إلى جانب الصين المؤيدة لكوريا الشمالية، وانتهت الحرب في عام 1953 بعد وفاة ستالين، بتكريس التقسيم في شبه الجزيرة الكورية الذي مازال مستمراً حتى الآن.

وكنتيجة للحرب العالمية الثانية قسمت ألمانيا إلى أربعة أقسام، بريطاني، أمريكي، فرنسي، سوفييتي، ولقد رفض الاتحاد السوفييتي توحيد الأجزاء الأربعة، فتوحدت الأقسام الثلاثة المتبقية تحت اسم ألمانيا الغربية، فقام ستالين بحصار برلين (1948-1949)، وفي نفس العام (1949) وقعت بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وثماني دول أوروبية غربية معاهدة حلف شمال الأطلسي، والتي مهدت لتأسيس منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وفي عام 1952 اقترح الرئيس السوفيتي ستالين توحيد ألمانيا الشرقية والغربية في دولة واحدة تكون خارج القطبين الشيوعي والرأسمالي لكن الدول الغربية رفضت ذلك، فأعلن الاتحاد السوفييتي تأسيس حلف وارسو الذي ضم دول أوروبا الشرقية، حيث قام الاتحاد السوفييتي بقمع الثورة في المجر ومنع الأخيرة من الخروج من حلف وارسو، واستمرت واشنطن في سياسة الاحتواء فأنشأت حلف بغداد عام 1955 لمنع تمدد الاتحاد السوفييتي إلى بلدان الشرق الأوسط، وكان من المفترض أن يضم العراق وسورية ومصر وتركيا وإيران وباكستان، لكن سورية ومصر رفضتا الحلف، وانسحب العراق منه بعد ثورة 1958، وما بين القطبين ظهرت حركة عدم الانحياز (وهي منظمة أسستها الهند ومصر ويوغسلافيا في عام 1955 بهدف اتباع سياسة مستقلة عن سياسات القطبين الشيوعي والرأسمالي).

ولقد كانت الحرب الإعلامية جزءاً لا يتجزأ من الحرب الباردة، ففي عام 1949 أعلن الاتحاد السوفيتي تأسيس إذاعة أووربا الحرة لنشر الفكر الشيوعي داخل أوروبا الغربية، رداً على إذاعة بي بي سي البريطانية وصوت أمريكا الموجهة للداخل السوفييتي والمناهضة للشيوعية، وهذا ما جعل جورج كينان وجان فوستر دالاس يسميان الحرب الباردة بحرب الأفكار.

المرحلة الثانية للحرب الباردة 1956-1962

وبدأت هذه المرحلة بخطاب الرئيس السوفيتي خروتشوف في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي “أن بلاده لم تعد تنظر للعلاقات مع واشنطن على أنها علاقات عداء، وأنه لا بد من تصحيح أخطاء الماضي”، وكان قد وصل للسلطة في واشنطن الرئيس دوايت أيزنهاور. وتميزت هذه المرحلة بظهور العديد من الحروب: (مثال: العدوان الثلاثي الفرنسي البريطاني الإسرائيلي على مصر في عام 1956، وذلك رداً على تأميم مصر لقناة السويس بهدف تمويل بناء السد العالي، وفي هذه الحرب وللمرة الأولى يتفق الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية على ضرورة إيقاف الحرب وانسحاب إسرائيل من كل المناطق التي احتلتها في مصر، ولاسيما بعد تهديد الرئيس السوفييتي خروتشوف بقصف باريس ولندن، فتوقفت الحرب، واعتبر ذلك انتصاراً للرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي تحول لبطل قومي بعد هذه الحرب).

وفي هذه المرحلة من الحرب الباردة أيضاً تم بناء جدار برلين في عام 1961 والذي قسمت برلين ومعها ألمانيا بموجبه إلى قسمين: شرقي موالي للاتحاد السوفيتي، وغربي موالي للولايات المتحدة الأمريكية، وذلك نتيجة لاشتداد الحرب الباردة بين الطرفين، لتبدأ في عام 1962 أزمة الكاريبي، حيث حاولت الولايات المتحدة الأمريكية إسقاط النظام في كوبا فاستعانت كوبا بالاتحاد السوفييتي الذي أرسل صواريخ إلى كوبا لحمايتها من عدوان أمريكي محتمل، عندها أصرّ الاتحاد السوفييتي على إبقاء الصواريخ، وأصّرت واشنطن على استهدافها، وهكذا وصل العالم إلى شفير الحرب النووية، فاتفق الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكة على قيام الاتحاد السوفييتي بسحب الصواريخ من كوبا، مقابل تخلي الولالايات المتحدة الأمريكة عن التهديد بشن عدوان ضد كوبا، وبذلك طوى العالم مرحلة حبس فيها أنفاسه خوفاً من دق طبول الحرب.

المرحلة الثالثة، مرحلة التعايش السلمي بين القوتين العظميين 1963-1975

حيث تميزت هذه المرحلة بظهور دول تسعى للاستقلال بقرارها السياسي، مثال: فرنسا في عهد ديغول فتوجهت لإقامة علاقات مع الاتحاد السوفياتي والصين، كما تميزت هذه المرحلة بهزيمة الولايات المتحدة الأمريكية في فيتنام والتي أدت لانسحاب واشنطن من هذا البلد، وفي عام 1967 قامت إسرائيل بشن عدوان على سورية وفلسطين ومصر نجحت على إثره في احتلال الجولان السوري وسيناء المصرية وقطاع غزة والضفة الغربية في فلسطين، فاتفق الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية على إصدار اقرار 242 عام 1967 القاضي بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها إلى خط الرابع من يونيو /حزيران من عام 1967، لكن إسرائيل لم تنفذ، ما دفع سورية ومصر لشن حرب تشرين التحريرية في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول لعام 1973 حيث تمكنت سورية من استرداد القنيطرة وبقي قسم منها تحت الاحتلال، واستعادت مصر سيناء بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد في عام 1979، وترسيخاً لسياسة التعايش السلمي انعقد في عام 1975 مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا وضم الدول الغربية إلى جانب الاتحاد السوفييتي حيث اتفق المجتمعون على تعزيز الأمن في أوربا.

المرحلة الرابعة، تجدد الحرب الباردة 1975-1984

إذ عاد التوتر بين القوتين العظميين وتجدد سباق التسلح النووي، حيث أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عام 1981م عن برامج حرب النجوم والتي تهدف لغزو الفضاء عسكرياً، وهو مشروع لم يستطع الاتحاد السوفييتي مجاراته لكلفته العالية، وانتهت هذه الفترة بدخول القوات السوفياتية إلى أفغانستان في عام 1981.

المرحلة الخامسة، انتهاء الحرب الباردة 1985-1991

حيث انهار الاتحاد السوفيتي نتيجة سياسات الرئيس غورباتشوف، التي قامت على مبدأي البيروسترويكا وتعني الإصلاح وإعادة البناء والغلاسنوست وتعني الشفافية، والتي أدت لانهيارات اقتصادية واجتماعية انتهت بتفكك الاتحاد السوفيتي، وتميزت هذه المرحلة بهدم جدار برلين في عام 1989 الذي قسمها إلى دولتين شرقية موالية للاتحاد السوفيتي وغربية موالية للولايات المتحدة الأمريكية، والذي اعتبر رسمياً إخطاراً بانتهاء فترة الحرب الباردة، حيث حل حلف وارسو رسمياً في عام 1991.

ختاما

انتهت الحرب الباردة فعلياً مع تفكك الاتحاد السوفييتي، ليصبح العالم في ظل القطبية الأحادية التي تتربع على عرشها الولايات المتحدة الأمريكية، حمت عوامل كثيرة العالم من الحرب العالمية الثالثة أبرزها توازن الرعب مع إدراك القوتين العظميين أن استخدام أي منهما للقنبلة النووية سيؤدي إلى تدمير الطرف الآخر وتعرضه للتدمير المضاد نتيجة امتلاك ذلك الطرف القنبلة الذرية، وهذا سيفضي بالتأكيد لفناء البشرية، فقام الطرفان بابتداع حروب الوكالة حيث تدعم كل دولة طرف في الحرب الدائرة على سبيل المثال في الحرب الكورية وقف الاتحاد السوفييتي إلى جانب كوريا الشمالية، ووقفت الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب كوريا الجنوبية، وفي الحروب العربية الإسرائيلية وقف الاتحاد السوفييتي إلى جانب العرب، ووقفت الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب إسرائيل، وبذلك حققت الدولتان مكاسب هامة على صعيد تسليح الأطراف المتنازعة وبالتالي الحصول على المزيد من الأموال التي استثمرتها الدولتان العظيمان لتعزيز سباق التسلح بينهما، واليوم تتطور الحروب أكثر حتى أصبح اللجوء للحرب العسكرية بالمفهوم التقليدي صعباً في ظل تشابك المصالح الاقتصادية ليظهر جيل جديد من الحروب أبرزه الحرب النفسية.