قصة عمو الجزء الأول (١)- رعب للكبار فقط للكاتب محمود ملص

رواية عمو الجزء الاول للكاتب محمود ملص

+18
مَسَكت إيدها بشوق كإنه أول مرة بنلتقي….
” لآخر مرة….تعالي نامي جمبي..حتى لو باقيلنا كم ساعة و بنفترق….خلينا نفترق بحُب…نامي جمبي بضمك للمرة الأخيرة بترجاكي….”
قصة: عمّو 
لمحمود ملص.


رقم غريب طويل عريض مو مبين أوله من آخره…
ضوت شاشة التلفون أبو لمبة وكبسات…
ما في ولا صوت بالبيت غيره…
الساعة 3 الصبح…
ولا مرة كان معي أشتري تلفون ذكي زي أي شخص طبيعي…
لسا بحاول أصحى من النوم..
وسن بتهزني بعصبية..و صوت الرجاج مقرف…
“قوم خلصني رد!!! صارله أكتر من ساعة برن…روّحت نومتي….يااااا الله! خلصني….رد رد رد….رد…خلصني…
غطيت راسي…سبحت نفس…متجاهل إلحاحها…
” ففففففففف بدي أناااام…..أتركيني…ومين رح يكون يعني؟! يا عمّار صاحب البيت بده أجار الست شهور اللي مضت..يا إما أبو غيداء صاحب السوبرماركت…بده حسابه….ما هم طول نهارهم ما عندهم لا شغلة و لا عملة إلا يرنوا علي ويحرجوني…
اتضايقت وسن…طلعت نفس محبط و تذمرت…
” الله يصبرني على هالعيشة كمان كم ساعة بس…….يللا..على كل حال… كلها شوي و بروح كل واحد فينا بحال سبيله…
رنّت آخر كلمة كأنها طلقة مدوية….
غطيت راسي و شديت ع الغطا…..انوجع قلبي….بحب وسن أكتر من حالي….بس ظروفنا كرهتنا ببعض…لا مصاري، لا حياة…..بطلنا حتى قادرين نبتسم بوجه بعض…
تحدينا كل الناس لما تزوجنا…
أهلها حكولها انتي تزوجتي واحد فاشل…
عمره ما رح يمسك بإيده قرش و رح تنذلي معه…
و بالفعل أهلها صدقوا…
رجعت وسن رفعت الغطا عن وجههي…
“من كل عقلك في حدا برن ع حدا الساعة 3 الفجر عشان يزكره بالدين؟! هاد الرقم دولي شوف! صفرين…تسعة…..أوفففف!!!! ليكون!!”
فتحت عيوني على وسع…تفكيري نفس تفكير وسن…
حكينا مع بعض بنفس اللحظة…..
:: ليكون!!! أخوي…
::ليكون أخوك؟!!!! ليكون أخوك ليكون صفوان!!
استغربت…
” ممممستحيل يكون هو..شو المعجزة اللي بدها تخليه يتصل؟! صارله عشر سنين بكولومبيا! ما عمره غلّب حاله و حكى مرحبا…ما عمره حكى خليني أشوف حال أخوي مجد المسخم بالأردن…ما بدي أرد إنسي…
انفعلت وسن…
” شوووو!!! شو ما بدك ترد؟! يمكن بده يشغلك! بدل ما انت شغال مياومة و عالطلب…و يوم اشتغلت و عشرة لأ..شوفه! رد عليه شو خسران!…يمكن بده يعطيك مصاري…
اتطلعنا بعيون بعض..
شافت بعيوني نظرة الرفض..نظرة الحزن و خيبة أمل من أخوي اللي بيعرف ظروفي و شدة حاجتي..
الدنيا كانت كلها سيئة معي…ليش ما سندني! أملاكه بكولومبيا ما بتنعد و لاااااا تحصى…ملايين….الاف الملايين…و عمره ما رد على اتصال واحد من اتصالاتي…
اتطلعت فيي وسن بخيبة أمل، 
قامت حتى ترجع للغرفة التانية…
كل واحد فينا بنام بغرفة من شهرين….
سكت التلفون…بطل يرن..
حسيت بحسرة…ندمت إني ما رديت…
اتطلعت على وسن…
ماشية على الغرفة التانية و خاطرها مسكور….
فعدت من نومي و سندت راسي للحيط……رميت الغطا….
قمت مشيت لعندها بسرعة و ضميتها من ورا…
حاولت تمنعني بس هي كمان بتحبني، بعرف شو جواها..
سبع سنوات زواج، ما شافت معي يوم حلو..و كانت تتحمل…
بنت حلال…
انهارت أعصابي، نفسي اعتذر منها على عدد السنين بسبب ظروفي…نفسي أتأسفلها الف سنة لإني ما بخلّف…لإني حتى ما رح أكون أب و و هي صابرة….أنا مش رح أقبل إلها كمان سنين عذاب…مع إني بعشقها عشق…
من حقها تعيش حياتها بدون جوع…بدون حرمان و قلة…من حقها تصير أم!
لولا بواقي الأكل اللي بجيبها كل يوم من شغلي آخر الليل كان متنا من الجوع…
أحيانا ما بشتغل إلا مرة كل كم يوم…السوق مو متل زمان…
و في غيري بدل الواحد عشرة بدهم ياخدوا مكاني و ينهشوا لحمي…
لولا الإكراميات القليلة من الزباين حتى خبز ما بنقدر نشتري…
كله بده مني مصاري…
سواقة الدراجة مقرفة، بالصيف نار و بالشتا زحاليق…
و صاحب المطعم بحملني كل يوم جمايل لإني بروّح فيها…
مسكت إيدها….
“لآخر مرة… تعالي نامي جمبي..حتى لو باقيلنا كم ساعة و بنفترق….خلينا نفترق بحب…نامي جمبي بضمك للمرة الأخيرة بترجاكي….أنا لو بضل أحبك 300 سنة ما رح أشبع منك بيوم…بعرف إني ظلمتك…بعرف إني مش قد المسؤولية….بس بعدك عني رح يكسر قلبي أكتر…
وسن أنا ما بتخيل بكرا أرجع من المحكمة و نحنا متطلقين…
غصيت…
شفت بعيونها نفس الجرح…
كنت براقب دموعها ووجعها على حالنا…
اتطلعت فيني و كأنها موافقة تنام جمبي….لآخر مرة……
سندت راسها على صدري و تنهدت…
قطع حبل أفكارنا التلفون….رجع يرن…
رديت بدون وعي…
” ألو!”
الصوت كان بعيد….صوت واحد مرهق، خايف..تعبان…واحد بيتطلع حواليه من الخوف….
” هلو..إسمعني منيح…أنا أخوك…أنا صفوان…..”
مباشرة بدون حتى كيفكم…نفس طبعه ما بيتغير…العربي تبعه مكسر و يادوب قادر يحكي بلهجتنا…
” ما في واقت أشراحلك كول ايشي، أنا واقع بي موشكلة كبيرة مع توجار و عيصابات هون بكولومبيا…و حاياتي و حاياة إيبني بيخطر….”
فتحت السبيكر حتى أندب حظي مع وسن…حتى تسمع إنه اللي إسمه إخوي لما حب يرجعلي كان واقع بمشكلة…بس يا رب ما يطلب مصاري”
” حياة إبني بخطر، سامعني؟! سيف بخطر و بدي أبعتلكم ياه…..”
تخربطت مشاعرنا….مش فاهمين شو اللي عم بيصير…
“بس يا صفوان صدقني وضعنا المادي…
قاطعني و هو متضايق…حسيت إني تسرعت…
“يا حمااااار….اسمعني و ما تقاطعني…. رح أحول مع سيف مبلغ كبير، و رح احوللك كل شي بقدر عليه من ثروتي..كول اشي بمكله فاهم!….”
رجعنا أنا و سن تطلعنا ببعض و نفسنا صار سريع…
” سيف عومروه سنتين بس، رح يوصل مع مربية..
ركز معي…ما بدي حتى المربية تضل معه ما بدي تعرف وين رح تروحوا بس تاخدوه…..إسمعني…رح احوللك كمان شوي نص مليون دينار رح يكونوا بحساب بنك بإسمك…سامعني؟! 
اتطلعت على التلفون، تحركت شوي حتى أتأكد إنه حلم أو إني بهلوس…
هلأ الساعة عندك 3 و نص الفجر…الساعة 8 الصبح بدي ياك تكون عند بنك الاتحاد فرع الشميساني…بتسأل عن واحد إسمه عادل مرزوق، سامعني؟ عااادل مرزوق…بدي ياك تنتبه من لل شي حواليك…….و سيف رح يكون عندك الأسبوع الجاي، هات رقمك الوطني…
ما كان في استجابة مني..
ياخي باقولك هات راقامك الوطني…خاللصني…
انعجقت، اكتشفت إني ماسك ايد وسن و بشد عليها…
وسن بتحاول تفلت ايدي حتى تجيب من المحفظة الهوية…
يا إما إني تقّلت بالعشا يا إما إني بحلم..يا إما إنه جد!!
” ططططططيب؟! النص مليون شو أعمل فيهم؟!”
” هدول إلك يا غبي، لبين ما أحوللك باقي المصاري…ما تحرم سيف من ايشي…بدي تأسسله حياة بيستاهلها..اعمل فيهم شو ما بدك بس بس الأهم…عيّش سيف حياة بيستاهلها….”
حسيته غص.كان في عنده كلام كتير….ساد الصمت…
“سجل عندك رقمي الوطني…”
“خالاص تامام….سيف…سيف….اوعك…كل شي إلا سيف…”
الصوت صار يقطع..
” إس، جاي…تأ…….بمش”
قدرت أسمع آخر جملة منه
” سيف أمانة برقبتك”
انقطع الاتصال….
صابنا ذهول…اتطلعنا ببعض و اجسامنا بترجف…
فجأة تغيرت ملامح وسن…
حطت إيدها على رقبتها…كأنه في حدا بيخنق فيها….
“وسن…انتي بخير”
اتطلعت فيي كأنها بتستنجد شكلها مش قادرة تاخد نفس…
وقعت على الأرض…
بلش يصير لونها أزرق و تتشردق..
صرت اضربها كفوف من الخوف…
“وسن، وسن، ولك شو مااااالك؟! وااسااان، بسم الله بسم الله عليكي”
سحبت وسن نفس طويل قد الغرفة و صارت زي الغرقان….رجعت طبيعية…
” شو صارلك؟ شو فيييي؟!”
لفت وسن وجهها عني…رجعت التفتت علي و في دمعة بجفونها…
” ما بعرف، في إشي خنقني حسيته بلف حوالين رقبتي”
هديت شوي…
هجمت علي بحنية و خيبة أمل…
صارت تبكي من كل قلبها…بتضربني بايديها الناعمة و أنا مغمض عيوني…
” يخي حرام عليك…لا تعمل فينا مقالب…الطلاق أحسن..سيبك من هالحركات….مين هاد اللي خليته يرن عليك، مفكرني هبلة؟ بتخلي صاحبك يعمل مقلب عشان اضل معك؟”
أنا كنت عم باكل الضربات و مش حاسس…
الدهشة كانت حاضرة…
” أنا ما بعرف مين هاد..صدقيني ما بعرف، الصوت صوت صفوان..بس ما بعرف مين هو و ما بعرف فعلا لو كان بيمزح أو بيحكي جد، صدقيني يا وسن مش مقلب…رح أرجع أرن عليه كمان مرة عشان تصدقي…..”
كان معي رصيد نص دينار مش أكتر..مخليهم حتى أرن للزباين…..اتصال…
طلعلي صوت غريب…
El número que ha solicitado está actualmente cerrado. Vuelva a marcar después de un tiempo.
كإنه رد آلي.بيحكيلي التلفون مغلق…يمكن اللهجة إسبانية…..بس هاي فعلا اللهجة السائدة بكولومبيا…
للحظة بس سمعنا الرد حسينا إنه ممكن القصة جد…بس كمان بيقدر أي حدا يسجل هاي الرسالة….الرصيد متل ما هو!

الساعة 7 الصبح 
نحنا بنتطلع على السقف و بنفكر…جد ولا مزح؟ مقلب ولا حقيقة؟! نطلع على المحكمة حتى نتطلق، وللا نروح ع البنك و نجرب حظنا؟!
” بتعرفي يا وسن؟ أنا حاسس إنه حقيقة…يا سلام…شو رح نعمل….رح ننبسط و نعوض بعض عن كل شي تحملناه بحياتنا…
شو هاي رح ننبسط؟ عادية هاي الكلمة جدا….احكي رح نهيّص….
” بتعرف يا مجد؟ بتمنى يكون حقيقة…مو لأي سبب…بس نفسي عنجد يجي علينا يوم واحد نتهنى فيه، ما نكون خايفين يندق الباب و الناس تطلب مصاري، نفسي نطلع مشوار عادي بدون ما نحسبها لمرة وحدة بس…
نزلت دمعتي، بعرف إني مقصر معها كتير…بس الشي اللي مريحني إني كنت احاول…
“مجد…بنخلص من البنك..و بننزل على المحكمة….

ركبت وسن وراي على الدراجة…
هي بصراحة سكوتر قديم…
بشوارع عمان الناس مو متعودة تشوف هالمنظر…
مكتوب عليه رقم المطعم و شكل حبة بيتزا ضايل شوي من ألوانها..
افكارنا كانت مشتتة…الطريق للبنك فاتحة بس حسيناها بعيدة…
صفيت برا…
كنا أول ناس…
الموظف لسا كان بشغّل الكمبيوتر…و بيفتح رزم المصاري…
” مرحبا…أنا مجد…مجد عبد الحافظ الحسيني…و في إلي حوالة من كولومبيا انفتحت بإسمي عندكم من كم ساعة….اه صح! وين السيد عادل مرزوق؟!
الموظف كان عنده نظرة السخرية على وجهه بس متعود يضحك عالناس بالمجاملة…اتطلع فيني و بوسن من فوق لتحت…
” السيد عادل لسا ما إجا…..بس كم قيمة الحوالة عفوا؟!
اتطلعت حوالي، الكلمة تقيلة و صعبة….استحيت احكيها…
وطيت صوتي…وسن صارت تتطلع يمين شمال من الإحراج…
” نص مليون دينار..
ضحك الموظف بصوت عالي، و كتمها…
” ولا يهمك استاذي أعطيني هويتك…
لسا بحاول يسيطر على مشاعره…و كل شوي بزبّط نضاراته…
كبس على الكبيورد بسرعة…و هو بيتنفس مش عاجبه اني قاطعت خلوته الصباحية…
حسيت إنه مش عم بشوف إشي بس بده يفرجينا انه اشتغل…
و هو مبين إنه لسا القهوة ما شربها…عليها وجه…
بلشوا المراجعين يتدفقوا جوا الفرع…
” ما في أي حوالة بإسمك، 
حتى يكسرني أكتر…
” إنت عمرك فتحت حساب أصلا بأي بنك؟!
وطيت راسي..
” يعطيك العافية…
” أهلا سيد….
التفتت عليه..ركزت جوا نضاراته…لقيتهم عاكسين شاشة سودة،
هو ما فتح البرنامج أصلا…
” ارجع افتح مرة تانية….
ارتبك الموظف…
احمرت عيوني…
” بحكيلك جرب! جرب شو خسران! افتح السستم الغبي اللي عندك…
رجفت شفته بلؤم…
كنت متأكد إنه لو فعلا صفوان حوللي مصاري فهو أكيد إنسان واصل و ثروته كفيلة بإنها تخلي مديرهم عادل مرزوق يفتحلي حساب بدون ما أعمله..متأكد إنه المفروض آجي ألاق كل شي متجهز و متزبط….المصاري و العلاقات لسا بتعمل اكتر من هيك…
كبس الموظف كمان مرة بسرعة….
رفع عيونه..اتطلع بالهوية…نظراته صارت تطلع و تنزل…
أنا ووسن اتطلعنا ببعض…بلع ريقه….
قام عن الكرسي و دخل على مكتب وراه….
لحظات…
طلع و معه زلمة شكله مهم…
صار الزلمة أبو البدلة يتفحصنا من فوق لتحت….
” سيد مجد؟!”
هزيت براسي…
طلع من ورا الكاونتر و عبطني…
“هلا بأخو الغالي..أخوك مستثمر مهم عنا…و صديقي من سنييييين من أيام الجامعة ههههههه”
حسيت بغصة كبيرة، مستثمر مهم و تارك أخوه يشحد الملح…يللا..مش مجبور أصلا…
معاك شنطة؟ بنصحك ما تسحب المبلغ كاش…هلأ بنطلعلك فيزا كارد…بتخاف إنه….
شهقت..حسيت جسمي بارد..لسا بتطلع فيه و مش مصدق إنه بيحكي هيك….نزلت دمعة….فركت عيني…..نطيت على وسن بدل ما أحملها حملتني…
يس يس يس ….طلع صح! طلع مش مقلب!!
صرنا نبكي و نضحك….
” ههههههههههههه مبروك مبروك..حبيبتي…. الحمدلله”
” إحلف إنه في إلنا معكم مصاري؟! أحكي والله؟!”
ضحك السيد عادل من قلبه…
” فرجيني الشاشة ما إلي دخل…
لفيت ورا الكاونتر و هو ممنوع….أصريت أشوف بعيوني…
الناس فكرتنا ربحنا الجائزة الكبرى..إحنا ربحناها فعلا بس مش من بنك الاتحاد…ربحناها من بنك اخوي صفوان أخوي لحاله أكبر بنك بالبلد…
شعور اسمك و جمبه هيك مبلغ…شعور غالي على القلب..شعور خلاني ابكي من جوا روحي…
صرخت بنص البنك: انا غني ههههههههههه مصااااااري هههههههه ربحت ربحت ربحت……..
وسن صارت تبكي من القهر…فرحة مؤلمة….حتى ما بتعرف من وين بدك تبلش…
قربت منا ست عمرها بالأربعينات شعرها اشقر، مبين عليها العز..لابسة سلسال عليه شكل حبة فراولة مصنوعة من الدهب….حطت ايدها على وسن…
” شو حبيبتي شو ربحتوا؟ مبروك مبروك”
اتدخل السيد عادل
” تفضلي سحبتي دور؟”
حسّت هاي المدام إنه مش مرغوب فيها….
بعدت ايدها عن وسن بهدوء…
وسن ما ارتاحتلها و ما ردت عليها…..
و الست نظراتها لوسن كانت غريبة…
و نحنا بنستنى الفيزا كنا ما سكين ايدين بعض و مش قادرين نقعد حتى…
الموظف و هو جاي علينا كان شعور متل مريض سرطان حكولوا إنت طبت من الأمراض و صرت أقوى كمان…
سحبنا 1000 دينار….
يا ربي! حتى ريحة الهوا صارت أحلى….كل شي حلو…المصاري خلتنا ننتبه إنه عمان حلوة!
أول شي عملته وصلت الدراجة للمطعم….
أجمل شعور بالدنيا حسيته لما اعطيت صاحب المطعم مفتاح الدراجة…اتطلع علي بنظرة إني أنا الخسران..
ما بيعرف شو صار معي!
رحنا على مطعم المحيط …
كانت الساعة تسعة و نص الصبح…
نزّلت أكل بحري ب 300 دينار…صرت آكل ولما اشبع اروح استفرغ و ارجع آكل…أنا ووسن طول الوقت نضحك…
اعطيت الجرسون 50 دينار اكرامية…كان رح ينشل من الفرحة….
رحنا للمول…اشترينا ب 500 دينار أواعي….حتى أواعينا القدام شلحناهم و كبيناهم بنفس اللحظة…
نقص علينا مصاري…طلعت الفيزا كارد…
اشتريت عطر، اشتريت ساعة..اشتريت نضارة شمسية ما بعرف حتى اسمها بس الموظف حكالي انها غالية…
اشتريت لوسن فستان بعمري ما شفت أحلى منه…
استأجرت سيارة جيب دفع رباعي…
وسن فكرتني رح أرجعها على البيت…
رحنا على فندق الفيرمونت بالدوار الخامس…
قضينا ليلة ولا بالأحلام….
غرفتنا كان فيها مسبح، مساج…فواكه لحمة، تلفزيون أكبر من سور الشارع…
ليلة نستنا كل لحظة نمنا فيها بالجوع….
وجهي وجعني من الضحك…
طلعنا بقرار غريب…
ناخد من بيتنا بس الأوراق الرسمية…صورنا….الوثائق..
أخدنا عهد ما نطلع منه حتى إبرة….
تلت أيام كانوا شفاء لقلوبنا….قرصنا بعض مليون مرة حتى ما يكون حلم…

يوم و بعده التاني كنا بأرقى مناطق عمان بندور على فيلا صغيرة…
بنفوت من وحدة بنطلع بوحدة..
مرات كتير بكون عندك خيارات كتير…
بس بتختار بالآخر اشي محتلف تماما…
وقفنا على الباب…
باب خشب قصير فخم…جواه حديقة بتاخد العقل…
اتطلعنا ببعض و ما بدنا نفرجي السمسار إنه عجبنا…
وسن بتأشرلي على مرجوحة و في جمبها مرمى بلاستيك لكرة قدم…
الاعجاب بيننا و بين البيت فضحنا…
السمسار ضحك..
” كنت بعرف انه رح يعجبكم، انتوا عندكم صغار؟”
ترددت وسن شوي…
” ااااه، عندي سيف اللي يخلليلك ولادك”
” ما شاء الله، يتربى بعزكم، إذا هاي الفيلا مع إنها صغيرة بس كلها حجر و تشطيباتها ديلوكس، لعلمك هاي صاحب شركة الاسكان عدم المؤاخذة بناها لزوجته التانية بس ما سكنها هههههه مرته الأولى مسكته قبل ما يتزوج…شايفة يا مداام؟ وجهها حلو عليكي رح يكون هههههه”
ضحكنا على مضض…
وسن حسته زنخ..وما حبت المزحة أبدا…
اشتريناها..حتى بالفرش اللي فيها…
لوهلة بتفكر حالك بفندق…بأوتيل خمس نجوم….
ما فيها ولا غلطة….الإضاءة، المطبخ، الفرش….
كنت عم بستمتع بكل تفاصيلها….نمت ليوم بالحديقة….يوم بغرفة الضيوف…
كل شي فيها حلو…
كان عندي هاجس إنه ضل من المصاري نصهم تقريبا….
لحتى رن علي عادل مرزوق…مدير فرع الشميساني…
” سيد مجد…في إلك كمان حوالة..بس هاي المرة لازم تمسك حالك هههههههه المبلغ هو…..”
وقفت بنص الفيلا….صرخت صرخة انتصار…….صرخة قوة..
صرخة واحد قادر يشتري كل شي…كل اشي بيخطر على باله…

“السادة المسافرون على متن الرحلة رقم….
وقفنا بالمطار…
باقي ربع ساعة و بنشوف سيف…
ابننا اللي رح نربيه و ندير بالنا عليه…الطفل اللي بسببه حياتي تغيرت و لازم أعمل كل شي يسعده….
وسن كانت متأثرة، كانت من فترة مش عم بتشاركني أي فرحة…مركزة كيف رح تصير أم…مركزة كيف انحرمت من الخلفة رغم سنوات طويلة من الزواج…و هلأ من بعد شوي رح تحمل طفل…رح تكون هي أمه…
مسكت ايديها و خليتهم يبطلوا يرجفوا…
” شو مالك حبيبتي؟!”
سألتها بهمس بين الناس المسافرة و الناس اللي بتستنى متلنا…
ما توقعت اعصابها تنهار…
” خايفة…خايفة يا مجد…مش ملاحظ إنه في شي غلط؟! مصاري كتير…و طفل رح يكون ابننا……في شي غلط”
توترت شوي، بس مسكت اعصابي..
” لا ههههه حبيبتي ما تخافي…رح نتعوض خير….نحنا صبرنا كتير….”
كلامي ما اقنعها…نظرتها كانت لبعيد…لبعيد كتير….
ركضت الناس كلها للممر…
اللي صار ينادي و اللي صار يبكي…
ناس بتعانق ناس و اللي ماسك ورقة عليها اسم واحد اجنبي غريب…
ما عنا خبرة كيف نستقبل مسافر…
وقفنا نتفرج و ندور…طلعوا كل الناس اللي بالطيارة إلا سيف و المربية….
ضلينا نستتنى…وما في حدا اجى….
لحتى طلع من الممر سيدة مبين عليها إنها مربية……حاملة طفل….
بس طريقتها و كيف بتطلع حواليها…خوفتنا..كإنه في حدا لاحقها….
اجت عيننا بعينها…
كانت لابسة كعب…
سألتنا بعيونها هو إنتو؟!
ركضت باتجاهنا…
تحمسنا….سيف بين ايديها….
حكت بس جملة…
هي الطفل…هي وراقه….
لفت وجهها بدها تروح…
لمحت اشي غريب…
المربية لابسة سلسال…و عليه نقشة فراولة..
تمام نفس الست اللي شفناها بالبنك…
راحت المربية….تركض بعيد عنا….
الابتسامة كانت متوترة….لحتى لفت وسن سيف لعندها…
حسينا بصدمة كبيرة….
سيف كان طفل مش عادي…
طفل خارق الجمال، مش مبالغة…بس فعلا…طفل بيتمناه كل أب و أم….لدرجة إنه صرنا نستكشف جماله و نحنا مذهولين…
نظرة وحدة بس من عيونه بتخليك تدوب بحبه من أول نظرة….شعره طويل متل شعر البنات….واصل لعند كتفه…
الكارثة…انه طفل ضحوك….سنانه بيتمنى الواحد يبوسهم من حلاوتهم…
صوته بس يحكي تاتا بخلي القلب يرقص…
ضلينا نبوسه بطريق الرجعة….كل حدا يبوسه شوي و هو يضحك….
كنت عم بسوق بس قلبي و فكري معه…
وقفت على تقاطع…
بتأمله بحنية…
فجأة…
وسن بتصرخ….مججججججددددد! أوععععك في سيارة رح تخبطنا….
اتطلعت على جهة وسن و لسا بحاول أحلل الموضوع…
لا إراديا حطيت غيار و رجعت لورا…
فرق جزء من الثانية كنت رح أخسر وسن….و الله أعلم يمكن سيف كمان!
السيارة كانت جاي بسرعة جنونية…..بلعت ريقي…اتطلعنا ببعض….
قررنا ما نخلي هاد الموقف ينكد علينا…
رمينا اغراضنا بأول باب الفيلا و بقينا ساعتين بس نحضن فيه…وسن غابت للحظة…
طلعت من الأواعي اللي اشتريناهم لإله…
” روح شوي بدي أغيرله…ما إلك مصلحة تشوف ال….هههههههه”
وسن كانت تضحك و بتشلحه الأوعي…” شو يا بطة……شو عاملة يا حلوة…….ياااااع هههههههههه”
دخلت عالمطبخ و فتحت التلاجة…صرت آكل….
فجأة صوت ضحكة وسن اختفى….
نادت علي بجدية…
“ممممممجد!!!!! ممممجد!!! تعال شوف!”
تركت الاكل…
قربت من وسن…لقيتها مفتحة عيونها و متضايقة….بتتطلع على فخدة سيف….
لقيت عليها وشم صغير.وشم غريب…
ของฉันเอง
حسيت باشمئزاز غريب…
كيف صفوان بيوشم ولد عمره ما تجاوز سنتين…
أكيد توجع هالطفل…كيف قلبه طاوعه…
عصبت و اتضايقت…
مبين إنها لغة بس مش واضحة…
تخربطت فرحتنا…
عصبت، 
رنيت على صفوان بدي أعرف ليش عامل هيك بإبنه…
نفس الرسالة الصوتية…الرقم غير متاح حاليا
حتى لما خبرني عن موعد وصول سيف بعتلي مسج…
مغرور و شايف حاله بس ما بهمني…
سرقت نظرة من سيف و هو بيضحك و بيلعب…
قررت إنه مهما كان الإشي اللي مر فيه،
هو هلأ خلص معنا….
وسن حنونة، و أنا رح أخليه يعيش أحلى حياة….
وسن ضلت متضايقة عليه…
حبيت أغير جو…
” شو رأيك نطلع على الحديقة شوي نحطه بالمرجوحة….”
ما جاوبتني…
لمست خدها…
حملت سيف و بسته…
” ماشي حبيبي..”
طلعنا نمشي على العشب لحتى نوصل المرجوحة….
قررت ما أخلي إشي ينغص علينا اليوم…
صار سيف يقاوم بده ينزل على الأرض…
أول ما لمست رجله الأرض صار يركض و يضحك…
من فرحتنا بصوت ضحكته صرنا ندمع من حبنا المفاجئ لإله…
يا حبيب قلبنا يا سيف….
صارت وسن تصوره…كإنه فعلا إمه…تصرفها كان طبيعي و تلقائي…
فجأة ضحكته اختفت…
صار يتطلع لبعيد بخوف…انتبهنا عليه…لقينا بسّة بتركض عليه و بلمح البصر ضربت حالها فيه…وقع على بطنه…طلعت مخالبها و صارت تغرزهم بضهره و تمزع فيه….
تشنجنا من الصدمة… ركضت وسن زي المجنونة على البسة ضربتها برجلها كإنها بتشوط كرة قدم….
البسة كانت مصرة تضلها تنهش فيه….
أنا مذهول….الموقف كله عم بيصير خلال جزء من الثانية بس حاسس إنه سنين…..تحركت بصعوبة..مسكت راس البسة بدون و عي و لفيته بالعكس..سمعنا صوت كسر….طلعت روحها…
طلّعت البسة صوت كإنه طفل صرّخ برعب و مات…
سيف من البكا صار وجهه أزرق و بطّل ياخد نفس….
وسن كانت تصرخ مذعورة…
مجد….مممممجد اطلب الإسعاف…اطلب الاسعاف بسرعة…..
ما بعرف كيف اجتني القدرة من هول الموقف انه اتصل بالاسعاف..
ايدي كانت بترجف….
أول اختبار إلنا فشلنا فيه..
ما قدرنا نحمي سيف من بسة!!!
البسة مع انها ماتت مخالبها جوا ضهر سيف….
سحبتهم بصعوبة و انا ببكي من الصدمة….
حملته لجوا البيت..دمه كان ينزل بغزارة…
من وين إجت هاي البسة! أنا بعمري ما توقعت هاي المخلوقات عندها شر بهاي الكمية….
دخلنا على المستشفى و نحنا نركض
الممرضة جابت معقمات و مزعت أواعيه اللي أصلا نصهم تمزع…
حطت كمية كبيرة….
و مسحت ضهره…
رجف سيف و تشنج من قوة حرق المعقم….
انفتحت عيون الممرضة بذهول..
اتطلعت فينا نظرة شك غريبة!
التفتنا على ضهره بعد ما راح الدم……
من أوله لآخره موشوم!
” شو هاااااد؟ شووو عاملييين بالطفل!”
الكادر الطبي كله بالمستشفى وقف بوجهنا…
لحتى وصلت الشرطة…
المحقق رجل فهمان…المحقق إياد جبر…
شرحتله كل الظروف، رحت للبيت جبت كل الوثاق اللي بتثبت كلامي….
جبت حتى جثة البسة…
الجروح رغم غزارتها إلا إنها كانت سطحية….
منظر سيف كان بقطع القلب…
كله ملفوف بالقطن و الشاش و في نقط دم مبينة…
وسن تحت عيونها أسود…
بادلتني نظرة تزكرت منها كلامها بالمطار عن خوفها…في اشي مش طبيعي…

دخلنا على البيت…
سيف كان نايم، بالمستشفى أعطوه مهدئ…
زبّطت وسن نومته و غطته…
كنت بعرف إنها متضايقة….
مسحت دمعتها….
” خلص حبيبتي، اللي صار غصب عنا….”
” مش عم ببكي على اللي صار، ببكي على الحياة اللي الله أعلم كيف كان عايشها هاد الولد…طفل..طفل يا مجد أخوك كاين يوشمه و المخفي أعظم…في قلوب هيك ناس بالدنيا….أخوك بده يتستر على جريمته…عشان هيك بعته….هاد الولد صاير معه إشي هناك…”
ما قدرت اجاوبها لإنها احتمال كبير كلامها يكون صح! بس الإشي اللي مو منطقي كيف البسة عملت فيه هيك……ليش هالولد….

الدنيا بطيئة و عم بشوف ألوان مزعجة و غريبة….كنت عم بحلم….و فجأة صحيت على خبط قوي على باب الفيلا…
نزلت بسرعة فتحت…
المحقق اياد…
فركت عيوني، عرفت إنه جاي عشان سيف…
سمعت صوت ضجة برا….
اتطلعت….لقيت في جيران و أولاد…
وحدة من برا صرخت: يااااا ابن الحراااااام….الله لا يوفقك….
عيوني بلشت توازن الضو و أقدر أشوف مزبوط…
إجت من وراي وسن..شهقنا أنا و ياها….لساننا انلجم من الخوف و الصدمة…
في حدا قاتل أكتر من 50 بسة و مقطعهم….
مجزرة مخيفة و الدم معبي حديقتنا…..
ما حدا فينا صدق!
وصلت كمان دورية شرطة و الناس صارت تصور الحديقة….
” تفضل معي على القسم سيد مجد”
” أنا؟! شو عملت؟! سيد إياد أنا ما عملت اشي…..”
” بنحكي بالقسم أفضل..مش قدام الناس”
لبست قميصي…
” ديري بالك على سيف”
وسن كانت تطلع فيي و هي مصدومة…نظراتها ما ريحتني…
و أنا طالع من الحديقة كان في شرطي بصور و في سيارة للأمانة إجت حتى تنضف بركة الدم…

جابلي المحقق إياد كاسة قهوة…
سحب كرسي و قعد قبالي…
” شوف يا مجد…أنا و الله ما عندي وقت أضيعه….و تعبان كتير…كان المفروض أروح اليوم على البيت..صارلي أسبوع مداوم…بترجاك تحكيلي الحقيقة من أول مرة….و بدون لف و دوران…”
ما كان عندي اي كلام أحكيه…إلا الصراحة…
“مبارح…بس رجعنا من بالمستشفى كان الوقت متأخر…دخلنا على الفيلا….كنا مرهقين…و نمنا….والله يا سيدي ما طلعت أبدا…بعرف إنه الموضوع شنيع…و بعرف إنه الدافع موجود و أنا الشخص الوحيد المتهم….بس أبسط دفاع عن حالي هو من وين بدي أجيب كل كمية البسس هاي! يعني لو بدي امسك بالساعة خمسة مش رح ألحق! بعدين ما في كاميرات مراقبة بشارعنا!”
اتطلع علي المحقق بنظرة شك…
” موجود و عم بنحاول ناخدهم من الجيران اللي قبالكم….سور حديقتكم واطي و ممكن تكشف كاميراتهم مين الفاعل…إنت عارف يا مجد وين المشكلة؟! المصيبة إنه اللي عمل هيك عنده فكر إجرامي…و ممكن يقتل بني آدم بسهولة!”
الجملة الأخيرة ارعبتني…
انفتح الباب…
” سيدي…وصلت تسجيلات المراقبة…”
طلع إياد بسرعة و سكر علي الباب…
غاب نص ساعة …
أنا أعصابي تلفت…وصلت لمرحلة شكيت بحالي…
لما رجعلي كان وجهه مخطوف….
حط لابتوب قدامي..
كان مش قادر يحكي فعليا…
” شوف…هاي اللقطة لما هجمت البسة على سيف…..غطيت عيوني و لفيت وجهي من بشاعة المنظر….”
هون لما إنت كسرت رقبتها للبسة…
كمل المحقق و هو بيحرك بالماوس لحتى يوصل للتوقيت التاني….
صارت الشاشة توقيت ليل….
حسيت بخوف كبير…
شفت باب البيت الداخلي بينفتح….
فتحت وسن باب البيت…
طلعت على الحديقة…حركاتها كانت كأنها رجل آلي…
كان في بإيدها كيس…
صارت تطلع منها قطع شي غريب…كإنها لحمة! و ترمي على الأرض قطعة قطعة…
شوي قربت منها بسة…أكلت قطعة و هربت….رجعوا بستين…
فجأة صار جمبها تجمع كبير….
رمشت الشاشة و كأنه التوقيت اختلف….صارت مغبشة و رجعت مرة وحدة….
البسس كإنهم تسمموا! ولا بسة بتتحرك…
وسن ماسكة عصاية…
و حواليها البسس…و عم تضربهم بوحشية…..
أنا كنت فاتح تمي و جسمي بطل يحملني….
ضلت تضرب فيهم و العدد كان يزيد…..
التفتت مرة وحدة للكاميرا…كأنها بتشوفنا….
رسمت بإيدها إشي غريب على الهوا…
مسحت عن عينها الدم و رجعت تقتل فيهم….
” مستحيييييل!!!!، وسن ما بتعمل هيك سيدي! مستحيل؟!
” كيف عرفت إنها وسن؟! ازا إنت هيك بحكي هيك”
سحب المحقق نفس…
خطر على باله إشي…
” سيف! الطفل سيف مع مين؟!”
قلبي خفق بسرعة…
حسيت بخوف المحقق و فهمت دهشته….
طلعنا نركض أنا وياه…كان يسوق زي المجنون….
وصلنا على الفيلا…
فتحت الباب….
لقيت وسن قاعدة مع سيف بسلام و حاطتله على أفلام كرتون….
وسن شافت وجوهننا كيف فيها الف شيطان بيلعب….
” خخخخير! شو مالكم؟!”

وسن كانت تبكي بحرقة و صدمة..
” والله ما عملت شي! طب من وين بدي أجيب السم؟! أنا ما لحقت أصلا…”
دخلت بداومة…مين أصدق؟ كاميرات المراقبة ما بتكزب…
” شوفي يا ست وسن…أنا عملي كمحقق بيتطلب مني هلأ آخد إجراء….بس أنا رح أعطيكي فرصة…
قبل ما يكمل إياد جملته…
تخلخلت الثريا (شمعدان الأضوية) اللي معلق بالسقف….اتطلعنا فوقنا…
وقعت التريا على راس وسن…طرش علينا الدم أنا و المحقق سيف….
انكسر راس وسن!…
آخر جملة حكلتها مش أنا…أنا بريئة…
مالت على جمب الكنباية و صار تنازع…
ركض عليها المحقق و جلسها..
الدم كان يطلع من راسها و جزء من مخها مبين….
نزلت على ركبي…مش مصدق….
ووس…….وسااااااااااااان!!!!!
هاي اللحظة اللي فعلا حسيت حالي فيها يتيم…
هاي اللحظة حسيت بوجع وسن بس الفرق إنها ماتت…و تركتني أضل أتوجع….
أحداث كتير بوقت قصير…
بتزكر كيف حتى الكفن كان عليه دم من جهة راسها…لإنه النزيف ما وقف….

اسودت الحياة بوجهي…
مر يومين ما بعرف شو كنت أعمل…
سيف طول الوقت بيبكي….
و أنا ببكي معه….
لسبب غريب المحقق إياد ما تركنا….
تكونت عندي قناعة إنه في من ورا سيف قصة كبيرة، قصة خطيرة خلت أبوه يبعلتنا ياه….
وجوده كان خطر كبير…وجوده على الأرجح كان سبب موت وسن…
خسارتي بوسن كانت خسارة بتوجع الروح..
بطل في طعم للمصاري…كل الثروة اللي كانت بإيدي صارت تسببلي حزن كبير…
لو كنت ببيتنا القديم الفقير ما كانت رح توقع على راسها تريا مرصعة بالقزاز وزنها خمسين كيلو!
لسا المسكينة ما لحقت تعيش يوم حلو…لسا ما حست بالنعمة….
سيف لسا بيبكي…
كان لازم أجيبله حدا يهتم فيه…
أسبوعين و أنا أدورله….
كانت المربية تيجي يوم و تروح…
حتى بدون ما ياخدوا أجرة….في منهم وحدة تركت البيت و طلعت بدون حتى ما تسكر الباب..تركت سيف لحاله!
شكلهم كان يتغير بعد نص ساعة من القعدة معه….
كنت مضطر أضل أدور…
لحتى دلوني على ست كبيرة…
أم أحمد..
ست كبيرة وحدانية…عايشة بمنطقة شعبية…
فاتحة ببيتها حضانة صغيرة…
أم أحمد عندها قوة شخصية و عنيدة..و كل مرة كنت أروحلها كانت تعرف إني محتاجها فعلا…وكانت عم بتزيد شروطها….
عرضت عليها تسكر الروضة ببيتها و تيجي تعيش معي…..
إلها جزء كبير من البيت مقابل إنها تعتني فيه…
وافقت بصعوبة….و طلبت مبلغ كبير…و ما كان عندي مشكلة…
مقابل إنها تعتني بسيف….
بالنهاية هو طفل صغير..

خلال هاي الفترة أخوي صفوان ما جرب حتى يرن يتطمن على إبنه…الأفكار كلها كانت تحكيلي إني لازم أرجّع سيف…
من يوم ما دخل على حياتنا صارت حوادث كتير…
بحبه كتير بس وجود تصادف مع أشياء كبيرة…
المحقق إياد كان يزورني كل يوم تقريبا..
ما بعرف هو لإنه منيح، أو لإنه مش مصدقني….
نظراته دائما كان فيها شك…
فتحت الباب…
كنت حامل سيف…
لقيت أم أحمد…حاملة شنتة أغراض…
دخلت خطوتين لجوا و اتطلعت حواليها….
سحبت نفس طويل….
راح نظرها مباشرة لمكان موت وسن…
” شو صار يهاد البيت؟!”
ارتبكت…
” مممش صاير إشي…”
غمضت عيونها و كأنها بتشم ريحة اشي….
أشرتلي أسكت…
في ريحة دم…في ريحة موت…
مشيت لعند الكنباية اللي ماتت عليها وسن….
تطلعت فيي بجدية…
بسألك شوصاير هون…
نزلت على رجليها…
لمست الكنباية….
حسيتها توجعت….
ما قدرت أتحمل….بكيت…
نزلت سيف على الأرض…
نزلت على ركبي…
انهارت اعصابي….
مش قادر يا أم أحمد…مش قادر خلص…تحملت فوق طاقتي…اشتقتلها كتير….
دمعت عيون أم أحمد علي، بس هي كان في عندها بعيونها قوة غريبة…
اتطلعت بسيف…
قربت منه….
اتطلعت بعيونه…
سيف كان بيضحك كالعادة و بيلعب….
رفعت راسه بإيدها بحنية….
اتطلعت بعيونه….
اتطلعت فيي بحذر…
” هاد ابن مين؟”
كان عندي شك غريب كيف أم أحمد مربية أطفال و بنفس الوقت حركاتها مريبة..
كيف حست بالمكان اللي ماتت فيه وسن..أكيد سمعت بالخبر…
بس مع هيك كيف عرفت إنه تحديدا هاد هو المكان؟!
اتطلعت فيي بجدية للمرة التانية…
سألتك ابن مين؟!
” ابن أخوي…مش إبني…”
” مين أمه؟!”
وقف عندي الزمن للحظة…فعلا مين أمه؟! مستحيل أمه تركت أبوه يبعته لعندي بدون ما تزعل عليه….بعدين لو إمه موجودة كانت رح تخلي زوجها يبعتله كل هاي المسافات!
” بصراحة ما بعرف يا أم أحمد!”
سحبت أم أحمد نفس طويل…مشيت باتجاه الباب…
” أنا صارلي خمس سنين تاركة شغل العالم التاني…فبترجاك..ما ترجعني لعندهم…أنا خسرت ابني بسببهم….”
عالم تاني!….
” بسبب مين أم أحمد؟! مين العالم التاني عن شو عم تحكي!”
” أنا آسفة..بعتذر منك…مش أقدر أشتغل معك…”
فتحت الباب…و كانت بدها تطلع…
” انت محطوط بوضع مخيف يا مجد…بنصحك تتخلص منه بأسرع وقت…”
“أنا كمان…خسرت حب حياتي….أنا كمان…خسرت مرتي..وسن….ماتت هون…وقعت عليها التريا….ماتت هون يا أم أحمد….ما شافت معي يوم حلو…”
ما تأثرت هالمرة أم احمد بكلامي…رجعت لعند سيف بعصبية…فكرتها رح تضربه…
مسكته من راسه…صار يبكي….
اتطلعت في بنظرة حارقة….حركت إيدها على راس سيف…رفعت شعره الطويل…بينت إدنه!
تراكمت الصدمات عندي…
إدنه طويلة و مبوزة..مش إدن بني آدم…
تلقائيا طلعت معي كلمة
” شششو هاد؟! ليش هيك شكلها؟!
أم احمد كانت تحكي بتركيز…
” هاد الولد مش إنسان طبيعي يا سيد مجد! إنت قاعد هلأ جمب كارثة دمرت زوجتك…و رح تدمر…رجعه لأبوه.”

الجزء الثاني