قصائد الشاعر قيس بن الملوح

معلومات عن حب قيس وليلي يُعدُّ الغزل في الشعر العربيّ غرضًا من أكثر الأغراض الشعرية انتشارًا في تاريخ الشعر العربي، حيث لم يخلُ أي عصر من عصور الأدب العربي من وجود شعر الغزل ووجود نخبة من الشعراء العرب الذين برعوا في الغزل في كلِّ عصر، فالنفس البشرية ميَّالة بطبعها للحب والغزل، ومن أشهر شعراء الغزل في تاريخ الأدب العربي: عنترة بن شداد، امرؤ القيس، عمر بن أبي ربيعة، قيس بن الملوح، كثير عزة، جميل بن معمر، ابن زيدون، أبو الطيب المتنبي، أبو تمام، نزار قباني، إبراهيم ناجي، سعيد عقل، وغيرهم، وهذا المقال سيأخذ نبذة عن الشاعر قيس بن الملوح، وسيسلِّط الضوء على قصة حب قيس وليلى.[١]

الشاعر قيس بن الملوح

الشاعر قيس بن الملوح هو قيس بن الملوّح بن مزاحم بن عدس بن ربيعة بن جعده بن كعب بن ربيعة العامري، المعروف بلقبه مجنون ليلى، ولد الشاعر قيس بن الملوح عام 645م وهو ما يوافق عام 24 للهجرة، أي في زمن الخلافة الراشدة، وهو شاعر من أشهر شعراء الغزل في تاريخ الأدب العربي، كان قيس عاقلًا، ولكنّه لُقِّب بالمجنون لأنَّه هام بحبِّ فتاة اسمها ليلى بنت سعد العامرية؛ حيث شُغف الشاعر قيس بن الملوح بحب هذه الفتاة وعشقها عشقًا عظيمًا، ثمَّ طلبها من أهلها فرفض أهلُها أن يزوجوه إياها، فهام على وجهه يكتب الشعر في حب ليلى ويتنقل بين الأمصار بين الشام والحجاز ونجد، وقد بقي ديوان قيس بن الملوح حاضرًا في ذاكرة الأدب حتّى هذه الأيام، هذا الديوان الذي يلخِّص مشاعر هذا الشاعر ويشرح قصَّة حبِّه لليلى العامرية.[٢]

كان للشاعر قيس بن الملوح أثرٌ كبير في الأدب الفارسي، فقد كانت قصة قيس بن الملوح في كتاب الكنوز الخمسة للشاعر الفارسي نظامي كنجوي، كما حضرت قصة قيس بن الملوح في أعمال الشاعر الفارسي الهندي أمير خسرو، وقد توفِّي الشاعر قيس بن الملوح سنة 688م وهو ما يوافق عام 68 للهجرة، حيث وجد ملقًى بين مجموعة من الأحجار، فحمله الناس إلى أهله، وقيل إنَّه كتب بيتين من الشعر عند رأسه قبل أن يموت، قال فيهما:[٢]

تَوَسَّدَ أحْجَارَ المَهَامِهِ وَالْقَفْرِ

وَمَاتَ جَريحَ الْقَلْب مَنْدَمِلَ الصَّدْرِ

فيا ليتَ هذا الحبَّ يعشقُ مرّةً

فيعلمَ ما يلقى المُحِبُّ من الهَجْرِ

قصة حب قيس وليلى

إنّ من أشهر قصصِ الحبِّ في تاريخ الأدب العربي قصة حبِّ قيس وليلى، قيس الذي كان ابن عم ليلى العامرية، نشأ وترعرع معها، فكبرا معًا وأحبَّا بعضهما حبًّا جمًّا منذ الصغر، فقد كانا يرعيان ماشية أبويهما، قبل أن يكبرا ويتمنى قيس أنَّه بقي صغيرًا يرعى الماشية مع ابنه عمه، وقد ظهر هذا في قول قيس بن الملوَّح:

تعلَقت ليلى وهي ذات تمائمٍ

ولم يبدُ للأترابِ من ثدْيها حَجْمُ

صغيرينِ نَرعى البُهمَ، يا ليتَ أنَّنا

إلى اليوم لم نَكْبرْ، ولم تكبرِ البُهْمُ

ومما جاء في قصة قيس وليلى أنَّه لمَّا كبر قيس وليلى معًا حُجبت ليلى عنه وهذا من عادة أهل البادية، فاشتدَّ الوجد بقيس وصار يكتب شوقه لأيام الصبا في قصائده، وبعد أن كتب اسم ابنة عمه في غير قصيدة واحدة، تقدَّم قيس لخطبتها من أبيها، فرفض أهلها تزويجها لقيس لأنَّ من عادة العرب أن تمنع تزويج من انتشر حبهم بين الناس وذاع صيتهم، خاصَّة وأنَّ قيس ذكر ليلى في شعره باسمها الصريح، وبعدها أُجبرتْ ليلى على الزواج من رجل من ثقيف اسمه ورد بن محمد العُقيلي، ورحلت مع زوجها ورد إلى الطائف وابتعدتْ عن قيس؛ ليعيش قيس هائمًا على وجهه يتنقل بين البلاد ويأنس للوحوش في البادية، حتَّى مات.[٣]

معلقة قيس بن الملوح

بعد ما جاء من حديث عن الشاعر قيس بن الملوح وذكر لقصة حب قيس وليلى، إنَّ من الجدير بالذكر أنْ يتمَّ الحديث عن أبرز قصائد الشاعر قيس بن الملوح، وهي قصيدة المؤنسة والتي يُطلق عليها اسم معلَّقة قيس بن الملوح، وهي قصيدة من قصائد العصر الإسلامي، غزلية من الغزل العذري، كتبها قيس بن الملوح على البحر الطويل، يذكر فيها أيام الصَّبا التي قضاها مع ليلى يرعى الإبل، فيتحسر قيس على تلك الأيام التي أصبحت من الماضي البعيد، فقد ابتعدت عنه ليلى وتزوجت رجلًا غيره، يقول قيس بن الملوح في هذه القصيدة:[٤]

تَذَكَّرتُ لَيلى وَالسِنينَ الخَوالِيا

وَأَيّامَ لا نَخشى عَلى اللَهوِ ناهِيا

بِثَمدَينِ لاحَت نارَ لَيلى وَصَحبَتي

بِذاتِ الغَضا تَزجي المَطِيَّ النَواجيا

فَقالَ بَصيرُ القَومِ: أَلمَحتُ كَوكَبًا

بَدا في سَوادِ اللَيلِ فَردًا يَمانِيا

فَقُلتُ لَهُ: بَل نارَ لَيلى تَوَقَّدَتْ

بِعَليا تَسامى ضَوؤُها فَبَدا لِيا

ويذكر الشاعر قيس بن الملوح نارَ شوقه التي تثور بين جوانبه، ويشرح حاله وهو جالس يعدُّ الليالي التي تمضي وهو بعيد عن محبوبته بعد أن حكمت عليه عادات العرب بعدم لقيا من يحب، فيقول:[٤]

أَعِدَّ اللَيالي لَيلَةً بَعدَ لَيلَةٍ

وَقَد عِشتُ دَهراً لا أُعِدَّ اللَيالِيا

ذَكَت نارُ شَوقي في فُؤادي فَأَصبَحَتْ

لَها وَهَجٌ مُستَضرَمٌ في فُؤادِيا

يسرد الشاعر قيس بن الملوح، فيستطرد ويأخذ الشوق والهوى ليكتب هذه القصيدة الخالدة، بصياغة شاعر من خيرة شعراء العرب على مر العصور، ويذكر بتفصيل قصصه مع ليلى وما آلتْ إليه روحه بعدها، وكيف يعيش بين الوحوش معتزلًا الناس أجمعين، هائمًا بين البلاد، يأخذه السرى بين دمشق والحجاز، فيقول:[٤]

وَلا سِرتُ ميلاً مِن دِمَشقَ وَلا بَدا

سُهَيلٌ لِأَهلِ الشامِ إِلّا بَدا لِيا

وَلا طَلَعَ النَجمُ الَّذي يُهتَدى بِهِ

وَلا البَرقُ إِلّا هَيَّجا ذِكرَها لِيا

وقد ذهب بقيس الحب كلَّ مذهب في هذه القصيدة، ليتمنى في نهايتها نظرة من ليلى، أو لقاء واحدًا في خلوة، ليحلف لو لقي ليلى ذات مرة في خلوة لطاف بالبيت حافي القدمين:[٤]

حَلَفتُ لَإِن لاقَيتُ لَيلى بِخَلوَةٍ

أَطوفُ بِبَيتِ اللَهِ رَجلانَ حافِيا

شَكَرتُ لِرَبّي إِذ رَأَيتُكِ نَظرَةً

نَظَرتُ بِها لا شَكَّ تَشفي هُيامِيا

قصائد قيس بن الملوح

لا تتوضَّح شخصية الشاعر قيس بن الملوح الشعرية، ولا تظهر معالم نفسيته إلَّا من خلال الاطلاع على غير قصيدة واحدة من قصائد هذا الشاعر الكبير، فجنونه بليلى لم يقتصر على قصيدة واحدة، بل أخذ من شعره الكثير؛ حتَّى استهلكه كاملًا، ليقضي الشاعر قيس بن الملوح حياته ينظم الشعر لعيني ليلى، ويموتَ وهو يقاسي لوعة الهجران، ومن أجمل قصائده:

  • يقول الشاعر قيس بن الملوح:[٥]

أَمُرُّ مُجَنِّبًا عَن بَيتِ لَيلى

وَلَم أُلَمِم بِهِ وَبِيَ الغَليلُ

أَمُرُّ مُجَنِّبًا وَهَوايَ فيهِ

فَطَرفي عَنهُ مُنكَسِرٌ كَليلُ

وَقَلبي فيهِ مُقتَتِلٌ فَهَل لي

إِلى قَلبي وَساكِنَهُ سَبيلُ

أُؤَمِّلُ أَن أَعِلَّ بِشُربِ لَيلى

وَلَم أَنهَل فَكَيفَ لِيَ العَليلُ
  • ومن شعر قيس بن الملوح أيضًا:

[٦] إليكَ عَنِّيَ إنِّي هائِمٌ وَصِبٌ

أمَا تَرَى الْجِسْمَ قد أودَى به الْعَطَبُ؟

لِلّه قلبِيَ ماذا قد أُتِيحَ له؟

حرُّ الصَّبابةِ والأوجاعُ والوَصَبُ

ضاقتْ عليَّ بلاد الله ما رحبتْ

ياللرجالِ، فهل في الأرضِ مضطربُ

البين يؤلمني والشوق يجرحني

والدار نازحةٌ والشملُ منشعبٌ

كيف السَّبيلُ إلى ليلى وقد حُجِبَتْ

عَهْدي بها زَمَنًا ما دُونَهَا حُجُبُ؟
  • ومن شعره أيضًا:[٧]

سَقى اللَهُ أَيامًا لَنا لَسنَ رُجَّعًا

وَسُقيا لِعَصرِ العامِرِيَّةِ مِن عَصْرِ

لَيالِيَ أَعطيتُ البَطالَةَ مِقوَدي

تَمُرُّ اللَيالي وَالشُهورَ وَلا نَدري
  • ويقول الشاعر قيس بن الملوح أيضًا:[٨]

قَد حالَ مِن دونِ لَيلى مَعشَرٌ قَزَمٌ

وَهُم عَلى ذاكَ مِن دوني مَواليها

وَاللَهُ يَعلَمُ أَنّي إِن نَأَت حِجَجًا

أَو حِيلَ مِن دونِها أَن لَستُ ناسيها
  • ومن شعر الشاعر قيس بن الملوح:[٩]

وَقالوا: لَو تَشاءُ سَلَوتَ عَنها

فَقُلتَ لَهُم: فَإِنّي لا أَشاءُ

وَكَيفَ وَحُبُّها عَلِقٌ بِقَلبي

كَما عَلِقَت بِأَرشِيَةٍ دِلاءُ

لَها حُبٌّ تَنَشَّأَ في فُؤادي

فَلَيسَ لَهُ وَإِن زُجِرَ اِنتِهاءُ

وَعاذِلَةٍ تُقَطِّعُني مَلامًا

وَفي زَجرِ العَواذِلِ لي بَلاءُ