تفسير ومن الناسِ من يشترِ‌ي لهو الحديث

فإنه ما اجتمع في قلب عبد قط محبة الغناء ومحبة القرآن إلا وطردت إحداهما الأخرى

قال الله تعالى: “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِ‌ي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ بِغَيْرِ‌ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ” [لقمان:6]

اللهو بالتعريف الدقيق الاشتغال بالخسيس عن النفيس.
قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ‌ اللَّـهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُ‌ونَ”[المنافقون: 9]
وقال: “وَمَا هَـذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ‌ الْآخِرَ‌ةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ” [العنكبوت:64]

أصل كلمة لهو مذمومة، لأنها اشتغال بالخسيس عن النفيس.
فماذا قال بعض المفسرين حول هذه الآية؟
قالوا: لهو الحديث كل كلام يلهي القلب، ويأكل الوقت، ولا يثمر خيراً، ولا يؤتي حصيلة تليق بوظيفة الإنسان المستخلف في الأرض بعمارتها بالخير والعدل والصلاح، هذه الوظيفة التي يقرر الإسلام طبيعتها وحدودها ووسائلها، ويرسم لها الطريق.
“وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ” [لقمان:6]
يشتريه بماله، يشتريه بوقته، ويشتريه بحياته، يبذل تلك الأثمان الغالية في لهو رخيص يفنى فيه عمره المحدود الذي لا يعاد ولا يعود،
” لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ بِغَيْرِ‌ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا” [لقمان:6]
يشتري هذا اللهو ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها في سبيل الله هزواً.

أقوال البعض المفسرين:
قال بعضهم: (إن لهو الحديث هو الغناء)
روى سعيد بن جبير قال: سئل عبد الله بن مسعود عن قول الله جل وعز: “وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ”


فقال: الغناء، والله الذي لا إله إلا هو الغناء، >> ورددها ثلاثاً >>

وقال مجاهد: ( لهو الحديث الطبل، وأدوات اللهو، وهذا من لوازم الغناء)
وقال قتادة : قوله “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِ‌ي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ بِغَيْرِ‌ عِلْمٍ”: والله لعله لا ينفق فيه مالا ولكن شراؤه استحبابه ، بحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق ، وما يضر على ما ينفع .
وقيل : عنى بقوله : “يَشْتَرِ‌ي لَهْوَ الْحَدِيثِ” : اشتراء المغنيات من الجواري .
وقال الحسن البصري: أنزلت هذه الآية: “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِ‌ي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ بِغَيْرِ‌ عِلْمٍ”، في الغناء والمزامير .

ومع هذا امتلأت بيوتنا وسياراتنا بمعازف الشيطان، فأمة الإسلام هجرت القرآن، واتخذت معازف الشيطان لها شعاراً بالليل والنهار، فكيف تنتصر على أعدائها…
فلذا أصبحت قلوبنا أقسى من الحجارة، والسبب: أنها تعلقت بمزامير الشيطان.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في بعض كتبه قال: (الغناء قرآن الشيطان، فالذي يدمن سماع الغناء فهو شيطان، وهو حجاب كثيف عن الرحمن، وهو رؤية الشهوات، وبه ينال العاشق الفاسق من معشوقة غاية المُنى)
وقد سئل الإمام أحمد عن الموسيقى والألحان فقال: (لا يفعلها عندنا إلا الفساق)
وقال شيخ الإسلام: (أولئك هم المخنثون عندنا)
فكيف للبعض أن يجمع بين حب القرآن وحب الغناء؟ وكيف يستقبل القلب ويتقبله كأمر عادي؟
شتان شتان بين القرآن وذاك..
وأختم بقول الإمام ابن القيّم رحمه الله حيث قال
إن حب القرآن وحب ألحان في قلب عبد مؤمن لا يجتمعان

Exit mobile version