تعرف على حياة الأصمعي

معلومات عن شعر وسيرة الأصمعي عبد الملك بن قُريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع (740م، 831م)، من شعراء العصر العباسي الأول، وفي الحديث حول أين ولد الأصمعي؟ فقد وُلد الأصمعي ونشأ في البصرة، ويعود نسبه إلى القبيلة الباهلية، وهي أوائل القبائل التي دخلت مدينة البصرة، جده أصمع بن مُظهر، ووالده عاصم بن عبد الملك والذي عُرف بلقبه قُريب، ووالدته كانت باهلية أيضًا، وقيل إنّ أسرته كانت ذات أنفار عديدين، إذ تضخم عدد بني أصبع فتشعبوا إلى أسر عديدة، جُمعت في حي واحد في البصرة، سُمي بحي بني أصمع، وكان عبد الملك بن قُريب الأصمعي هو الذي نهض بقبيلته ونسبها، ورفع اسمها في سجل الحضارة الإسلامية.[١]

كانت نشأة الأصمعي هي نشأة علم في الحياة الأدبية وفي ظل أسرة اهتمت بالعِلم والأدب، ويُعد الأصمعي من أئمة اللغة والنحو والأدب والغريب والأخبار، ويعود لقب الأصمعي إلى جده أصمع، ثم انتقل الأصمعي إلى بغداد بعد أن استدعاه الرشيد، وكان الرشيد قد استقدمه بعد ما سمع عن فضله، وعلمه وأدبه واتساع معرفته باللغة، إضافة إلى قدرته في رواية أنساب العرب وأخبارها وأشعارها وأرجازها، إذ كانت هذه الدرجة من الحفظ لديه تُشير إلى نشأته العلمية التي ترعرع بها، إذ يُقال إنّه كان يحفظ ما يقارب ست عشر ألف أرجوزة، ناهيك عن الشعر والأخبار.[٢]

حياة الأصمعي

ما السبب وراء الرحلات الطويلة للأصمعي؟

عُرف الأصمعي في حياته بشغفه في التنقل بالبادية، وذلك ليتلقى العلوم فيدونها، ويقتبس المعارف فيتعلمها، كما أنه عُد من العلماء الذي عُرفوا بالرحلات الطويلة لطلب العلم، والسعي إلى توثيق الأخبار، فقد كان ينقل ويُدون ويوثق كل ما يشاهده في رحلاته، وبذلك تمكن من أن يبوأ لنفسه مكانة علمية مرموقة بين علماء وأدباء عصره، ومن صفاته أنه امتاز بأمانته العلمية والخلقية، وبتمسكه بدينه، وبصدقه في أحاديثه وعِلمه، كما كان صاحب بيان ومنطق صائب، فعُرف بسعة أدبه وغريزته الثقافيّة، وبقوة حفظه بفضل ذاكرته القوية، إذ كان يحفظ القصيدة الطويلة مجرد سماعها من أول مرة، ثم أصبح من أبرز رواة الشعر في العصر العباسي، فصار صاحب لغة ونحو، وإمامًا في الأخبار والنوادر.[٣]

تلقّى الأصمعي العلم في حياته على أيدي مجموعة من شيوخ اللغة والنحو، ومنهم: الخليل بن أحمد الفراهيدي، وأبو عمرو بن العلاء، ومن ثم تعلم نقد الشعر من خلف الأحمر، كما تعلّم علم الحديث من شعبة بن الحجاج ومالك بن أنس وغيرهم من الشيوخ الذين تعلم منهم مبادئ الكتابة والقراءة، إذ عُرف في حياته بتدينه فقد كان يتوجه إلى الشيوخ ومجالس العلماء، فيلتقي بالخطباء والفصحاء والشعراء، ليكتسب من قرائحهم النقدية والعلمية، حتى نمت معارفه واتسعت آفاق شعره فسرعان ما أصبح شيخًا يسمع له الناس ويترددون على مجالسه، ومن أبرز تلاميذه الترمذي، وأبو فضل الرياشي، والجاحظ، وأبو عبيد بن سلام القاسم، وغيرهم الكثير.[٣]

كان الأصمعي في حياته إنسانًا اجتماعيًا له العديد من العلاقات مع الكثير من العلماء والأدباء والفقهاء، وربما كانت طبيعته تلك هي ولادة رحلاته وتنقلاته المتكررة، ففي كل رحلة كان يُقيم مجالس من المحاورات والمناظرات مع الكثير من أصحابه، كما كان شديد الاطلاع في اللغة والأدب والنقد.[٣]

الأصمعي والشعر

لماذا استبعد الأصمعي ذِكر الصعاليك في مؤلفاته؟

لم تكن ملكة الشعر عند الأصمعي قوية بالمقدار التي تجلعه من الشعراء، وذلك يعود إلى أن جُل أشعاره في حياته كانت عبارة عن أبيات قليلة وقصيرة، والتي قالها في مناسبات مختلفة، ولكن الأصمعي نفسه كان يُدرك ركة شعره وتهافته، فقد قال:[٣]

أبَى الشِّعرَ إلا أنْ يَفيءَ رديئُه

عَلي ويَأبَى مِنهُ مَا كَانَ مُحكمَا

فيَا لَيتَني إن لَم أجِدْ حوك وشِيهِ

ولَم أكُ مِن فُرسانِه كنت مُفحَمَا

ما هي الأصمعيات؟

هي عبارة عن مجموعة من القصائد التي اختارها الأصمعي من عيون الشعر العربي لشعراء جاهليين ومخضرمين وإسلاميين، ثم اعتنى المحقّقون بطباعتها ونشرها، ومن أشهر طبعات الأصمعيات هي الطبعة التي حققها عبد السلام هارون، وأحمد محمد شاكر، وبلغت قصائد الأصمعيات اثنتين وتسعين قصيدة ومقطعة لواحد وسبعين شاعرًا، منهم أربعة وأربعون شاعرًا جاهليًا، وسبعة شعراء مجهوليين، وستة شعراء إسلاميين، وكان في الأغلب يورد للشاعر الواحد نموذجًا واحدًا، ويتضح من الأصمعيات أن الأصمعي اهتم بجمع الشعر الجاهلي، وأكثر من المقطعات، وابتعد عن جمع القصائد المطولة، إذ كانت أطول قصيدة في الكتاب لا تتجاوز أربعة وأربعين بيتًا، والتي مطلعها:[٤]

أَلَم تَرَني وَإِن أَنبَأتُ أَنّي

طَوَيتُ الكَشحَ عَن طَلَبِ الغَواني

أُحِبُّ عُمانَ مِن حُبّي سُلَيمى

وَما طِيّي بِحُبِّ قُرى عُمانِ

أما عن منهج الأصمعيات فقد كان الأصمعي يتتبّع قصائد الشعراء، ويختار لكل شاعر أفضل ما اشتهر به وعُرف عنه، كما أنه لم يكن يعمد في اختياراته إلى ذكر القصيدة كاملة بل يختار مجموعة من أبياتها فيضيفها، إذ كان طليقًا في اختياراته، أي لا يقتصر على اختيار غرض شعري واحد، بل يتنوع بكافة الأغراض الشعرية، وفي اختيارات للشعر الجاهلي فهو لم يذكر المعلقات رغم شهرتها، ولكنه برر ذلك لشهرتها وعناية الرواة بها، ومن الغريب أنّ الأصمعيات لم تحوِ على أي بيت من أبيات الشعر العباسي، وذلك يعود إلى أن الاصمعي كان يعتد بشعر القدماء، ويُعرض عن محدث الشعر.[٥]

ما هي معايير الفحولة الشعرية عند الأصمعي؟

تعود معايير الفحولة إلى كتاب فحول الشعراء للأصمعي، إذ ذكر الكتاب معايير فحولة الشعراء عند الأصمعي والتي تُميز الشعراء، وتُرجح أيهما أفضل من الآخر، ومن هذه المعايير كثرة الشعر، إذ يقول الأصمعي إنّه كلما كان الشاعر مكثرًا ومقوالًا بالشعر، له النصاب بالوصول إلى مناصب الفحول، ثم ينتقل إلى معيار جودة الشعر، ومدى حُسن نسج الشاعر لأبياته الشعرية، وبراعته في نظمه، كما أنه يعتمد على الزمن الذي يُحدد مكانة الشاعر عبر العصور، فالشاعر الإسلامي تختلف مكانته عن الشاعر الجاهلي، فهو يُحب الشعر الإسلامي ويُكثر من إنشاده، كما أنه اعتمد على المقياس الاجتماعي، ليميز بين الشعراء الفرسان والأكارم والصالحين، إذ كانت جودة الشعر عند الأصمعي تُبنى على مراتب عديدة للوصول إلى الفحولة.[٦]

لا تقتصر معايير الفحولة على الشروط التي تُقوم من مكانة الشاعر وشعره، بل ثمة مفسدات للفحولة أضاء عليها الأصمعي، ومنها: أنّه اعتمد في البداية على عامل أخلاقي واجتماعي يعود إلى أصول الدين، وأن الشعر بأعراض الناس في الهجاء يقصي الشاعر من الفحولة، إضافة إلى ظاهرة الانتحال والتقوّل في الشعر، كما أنه استبعد شعراء الصعاليك من درجات الفحولة وذلك لأنهم تمردوا على القيم الاجتماعية والأخلاق، إذ كان كل شاعر يُخالف العرف الاجتماعية ويتجاوز الأخلاق بشعره، فهو لا يكسب مرتبة الفحولة عند الأصمعي.[٦]

ما هي قصة قصيدة صوت صفير البلبل؟

تبدأ القصيدة من قصة الأصمعي مع الأعرابي حين قَدِم وقال له إنّ الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور قد ضيّق على الشعراء، إذ يحفظ كل قصيدة يقولونها، ويقول لهم إنّه قد سمعها من قِبل، وبعد أن يسمعها من أول مرة، يحفظها سريعًا ويسردها، فيقول له حتى أن الجاري عندي يعرف هذه القصيدة، والحقيقة أن الجاري أيضًا هو يحفظها بعد تكرار القصيدة مرتين، فأصيب الشعراء بالخيبة والإحباط، لأن الخليفة يمتنع عن دفع المال لهم بسبب حجته تلك، فسمع الأصمعي وأعد قصيدة منوعة الكلمات وغريبة المعاني، فتنكر بلبس الأعراب ودخل على الأمير، فقال له: لديّ قصيدة أود أن ألقيها عليك، والقصيدة الجارية تُحفظ من أول مرة، والغلام من الثانية، والخليفة من الثالثة، وتُعدّ هذه قصيدة الأصمعي المشهورة والتي قال في مطلعها:[٧]

صَوتُ صَفِيرِ البُلبُلِ

هَيَّجَ قَلبِي التَمِلِ

الماءُ وَالزَهرُ مَعًا

مَع زَهرِ لَحظِ المُقَلِ

وَأَنتَ يا سَيِّدَ لِي

وَسَيِّدِي وَمَولى لِي

فَكَم فَكَم تَيَمَّنِي

غُزَيِّلٌ عَقَيقَلي

قَطَّفتَهُ مِن وَجنَةٍ

مِن لَثمِ وَردِ الخَجَلِ

فَقالَ: لا لا لا لا لا

وَقَد غَدا مُهَرولِ

مؤلفات الأصمعي

كيف تحدّث الأصمعي عن الشاة في مؤلفاته؟

ترك الأصمعي أثارًا علميّة وأدبية كثيرة، وبلغ عدد مؤلفاته ما يقارب نيفًا وخمسين كتابًا، تراوحت بين الرسائل القصيرة، والمجلدات، وتنوعت هذه المؤلفات بالحديث عن الشعر والنقد، والنحو، إضافة إلى الأخبار التي حفظها ونقلها، فعُرف عنه في مؤلفاته بقوة حفظه وذكائه، إضافة إلى استحضار الحجة وحلاوة المزاح، وأمانته العلمية، إذ إنّه كان من العلماء الذين أغنوا الأدب العربي وأوضحوا معالمه، ومن مؤلفاته ما يأتي:[٨]

  • فحولة الشعراء: هو كتاب جمع عددًا كبيرًا من أشعار الشعراء الجاهليين والإسلاميين، إذ تضمّن الكتاب آراء الأصمعي في أشعارهم، إذ وصف بعض الشعراء بأنه ضعيف الفحولة، والبعض الآخر عكس ذلك.[٩]
  • كتاب الشاء: هو أحد المؤلفات التي صُنفت على شكل نصوص متفرقة، جُمعت من قبل المحققين بأبواب خاصة، تلخصت في ذكر صفة الشاة، وما تُنعت به، كما أضاف الأصمعي بعض الدلالات حول مجموعة من الألفاظ والأخبار حول الشاء، سواء من أقوال العرب أم بيت من الشعر أم مثل.[١٠]
  • خلق الإنسان في اللغة: جمع الكتاب الحديث عن خلق الإنسان وكل ما يتعلق به، إذ انقسم الكتاب إلى أبواب عُنون كل باب بعضو من أعضاء جسم الإنسان، فكان يشرح معجزة الخلق وبعض الأقوال المختارة قديمًا، وأول هذه الأبواب هو باب ما يذكر من حمل المرأة وولادتها والمولود.[١١]
  • اشتقاق الأسماء: يتناول الكتاب الحديث عن أصل اشتقاق طائفة من أسماء الأشخاص والقبائل، ولم يعتنِ بترتيب الأسماء على حسب الحروف الأبجدية، ذلك لأن ما يعنيه هو بيان الاشتقاق اللغوي، كما أنه لم يتعرض إلى التعليل حول السبب في تسمية هذه الأسماء، فكان منهجة يعتمد على توضيح اشتقاق الاسم فقط.[١٢]

آراء النقاد في الأصمعي

كيف كان الأصمعي أقوى الناس في الرجز رغم أنه لم يؤلفه؟

استطاع الأصمعي أن يضع لنفسه المكانة المرموقة بين الأدباء والشعراء والعلماء في عصره، وأفضل شاهد على ذلك أن الناس كانوا يحضرون مجالسه ويأخذون منه العلم، كما أن أكثر علماء اللغة والأدب أخذوا بمؤلفاته وكُتبه بعد مماته، وذلك لصدقه ومكانته، ومن أبرز الآراء حول الأصمعي ما يأتي:

  • قيل لأبي نواس: “قد أُشخص أبو عبيدة والأصمعي إلى الرشيد، فقال: أمّا أبا عبيدة فإن أمكنوه من سِفره قرأ عليهم أخبار الأولين والآخرين، أما الأصمعي فبلبلٌ يُطربهم بنغماته”.[١٣]
  • قال السيرافي: “كان الأصمعي صدوقًا في الحديث، وعنده القرآن عن أبي عمرو ونافع وغيرهما، ويتوقى تفسير شيء من القرآن والحديث على طريق اللغة”.[١٤]
  • قال أبو حاتم: “كان أقوى الناس للرجز الأصمعي، سمعت مرة نجرانيًا كان قد طاف بنواحي خراسان فسأله -أي سأل الأصمعي- أخبرني فلان بالري أنك تروي اثنتي عشرة ألف أرجوزة، قال: نعم أربع عشرة ألف أرجوزة أحفطها، فتعجب”.[١٤]
  • قال البغدادي: “إنه كان بحرًا في اللغة لا يعرف مثله في كثرة الرواية”.[١٤]
  • قال حماد بن إسحاق: “سمعت أبي يقول: ما رأيت أحدًا قط أعلم بالشعر من الأصمعي، ولا أحفظ لجيده، ولا أحضر جوابًا منه، ولو قلت: أنه لم يكن مثله ما خفت كذبًا”[١٤]
  • قال الشافعي: “ما رأيت بذلك المعسكر أصدق من الأصمعي”.[١٥]
  • قال أبو الطيب: “وأنى يكون الأصمعي كما زعموا ولا يفتى إلا فيما أجمع عليه العلماء، ويقف عما يتفردون به، ولا يجيز إلا أفصح اللغات، ويلج في دفع ما سواه، وهذا كله إنما أحاط بالأصمعي، لخصومات كانت بينه وبين ظاقرانه من معاصريه أمثال أبي عبيدة وأبي زيد”.[١٥]

وفاة الأصمعي

كيف اختلف العلماء حول وفاة الأصمعي؟

توفي الأصمعي بعد حياة قضاها في العلم ومسيرة حافلة بالإنجاز الأدبي، وحول وفاته فقد قال السيرافي إنّ الأصمعي توفي في البصرة سنة 213هـ، وصلى عليه الفضل بن إسحاق، لكن ابن خلكان قد اختلف بمكان وفاته وانفرد بأنه قال إنّ الأصمعي توفي في مدينة مرو[١٦] ثم اختلف العلماء في تعيين سنة وفاة الأصمعي، فانقسمت آراؤهم إلى سبعة أقوال، ولكن أقرب الأقوال إلى الصواب هو ما قاله عبد الرحمن ابن أخيه، أن عمه توفي سنة 216هـ[١٧] كما تختلف المصادر في تحديد عُمره وقت وفاته، فتذكر بعضها أنه مات وعنده 88 سنة، وتذكر الأخرى أنه مات وعُمره 91 سنة، وما تبقى من مصادر تتفق بأن تذكر أنه مات وقد عمَّر نيفًا وتسعين سنة.[١٨]