اهم شيوخ الواقدي

تعرف على اهم اعمال الواقدي وسيرتة هو أبو عبد الله 130 – 208 هـ، محمّد بن عمر بن واقد السهمي الأسلمي المدني الواقدي، كان من موالي بني سهم بن مازن بن الحارث، من قبيلة أسلم العربية؛ إحدى قبائل المدينة المنورة، والتي ولد فيها الواقدي، وتلقى ضروب العلم حتى لمع نجمه واشتهر اسمه بين المؤرخين، فكان من أوائل من بدأوا بتدوين كتب التاريخ من العرب في منتصف القرن الثاني الهجري، واشتهر على وجه التحديد في تأريخ غزوات الرسول، ووصف أحداثها وأسبابها ونتائجه وأثرها، بالإضافة لتدوين الكثير من السير والأحداث وأخبار الناس، وروى الأحاديث أيضا؛ لكن رواياته خضعت للكثير من التدقيق والنقد والنقض، فتُرك أغلبها، وقد تتلمذ على يديه عدد كبير من علماء وفقهاء القرن الثاني والثالث الهجري، وأخذ عنه جميع من أتى بعده من المؤرخين المسلمين لقيمة كتبه وغزارة المعلومات فيها، ويأتي تاليًا نبذة عن حياة الواقدي العلمية مع ذكر شَيء من أخباره وعدد من تلامذته وشيوخه ومنزلته العلميّة بينهم.[١]

حياة الواقدي

منذ نعومة أظفاره في المدينة المنورة اختلف الواقدي إلى مجالس العلماء، فأخذ عن جميع علماء المدينة، ونهل منهم، وحفظ عنهم الأحاديث والأخبار، واهتم اهتمامًا كبيرًا في أحداث المغازي والمعارك، وبقي عاكفًا على طلب العلم حتى اشتهر في اتساع علمه بالتاريخ، وصار طلاب العلم يتحلّقون حوله ويأخذون منه، فلمّا زار الخليفة هارون الرشيد المدينة في رحلة حجه سنة 170 هـ دلّوه على الواقدي، فسار معه يدله على البقاع المقدسة في المدينة، وعلى مواضع الأحداث والأخبار التي جرت زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- وعهد أصحابه، وقد أورد الواقدي نفسه هذا الخبر مفصلا ونقله عنه ابن سعد بسرد وافٍ سجله في كتاب الطبقات الكبرى.[٢]

ثمّ ضاقت الحال بالواقدي؛ وكان معروفًا بشدّة كرمه وسخائه، فقدم بغداد سنة 180هـ، ومنها قصد الرقّة في الشام؛ حيث يقيم الخليفة هارون الرشيد، وشرح حاله، فأكرمه الخليفة وقدّمه، وفي عهد المأمون تولّى الواقدي القضاء في الرصافة سنة 204هـ، وقد نال ثقة الخليفة وتقديره، فبقي قاضيًا عليها إلى أن توفي سنة 208هـ.[٣]

علاقة الواقدي بالخلفاء العباسيين

كان أوّل عهد الواقدي مع الخلفاء العباسيين سنة 170هـ حين قصد هارون الرشيد المدينة في أول رحلة حج له، حيث طلب فور وصوله من وزيره يحيى بن خالد البرمكي أن يأتيه بأعرف رجل في مواضع المدينة، وأماكن نزول جبريل -عليه السلام- على النبي، وكافة الأماكن المقدسة، وجميع الأحداث التاريخية، وقبور الصحابة وشهداء المعارك التي وقعت حول المدينة بين المسلمين والمشركين، وذهب الوزير البرمكي يسأل الناس في المدينة فدلوه على الواقديّ، فأرسل إليه أن يأتي الخليفة في دار إقامته، فأتى إليه، وخرج الثلاثة معًا لم يترك لهم الواقدي موضعًا إلا ذكر لهم ما كان فيه من أمر، فأغدق عليه الخليفة من العطاء، واستمرّت بعد ذلك علاقة الواقدي بالوزير يحيى بن خالد الذي استدعاه إلى بغداد بعد حين.[٤]

وعندما ضاقَ الحال بالواقدي لدين كبير ألزم نفسه به بسبب سخائه وكرمه قصد دار الخلافة سنة 180هـ، فأغدق عليه الخليفة ووزيره، وظل بعدها الواقدي مخلصًا في حبه للوزير البرمكي حتى بعد النكبة المشهورة التي وقع بها البرامكة سنة 187هـ؛ حيث كان يترحم على الوزير ويذكر مناقبه كلمّا ذكر، إلا أن حبه وإخلاصه للبرامكة لم يؤثر بعد النكبة بعلاقته بالخلفاء ومكانته في البلاط، بل إن مكانته ازدادت زمن المأمون الذي ولّاه أمر القضاء في الرصافة، وتعرض الواقدي لضائقة أخرى زمن المأمون بسبب سخائه وكرمه، فاستنجد بالخليفة، وشكى إليه ضيق حاله، وطلب مبلغا من المال، فأرسل إليه المأمون ضعف المبلغ مع كتاب يمدحه فيه بخصلتَيْ الكرم والحياء، وبأنهما سبب إرسال الضعف، فالخليفة يعرف كرم الواقدي، ويدرك أنّه يستحي أن يطلب المبلغ كاملًا.[٤]

لكن علاقة الواقدي بالخلفاء العباسيّين كانت ممّا أخذ عليه في رأي بعض العلماء ممن كانوا يرون في هذا القرب سببًا في التأثير على أمانة الواقدي، ومن ذلك أنه تعمّد حذف اسم العبّاس بن عبد المطلب -عمّ النبي الذي تنتسب إليه الدولة العباسية- من بين أسرى المشركين في غزوة بدر، وكان العباس يومها بينهم كما تروي جميع المصادر.[٤]

تشيع الواقدي

ممّا ذكر عن الواقدي أنه يتشيّع على مذهب الشيعة، ويلتزم التقية، وهو قول ابن النديم الذي نقله عنه بعض المؤرخين، وقد استدل ابن النديم عليه بكتابين للواقدي تحدث في أحدهما عن مولد حفيدي رسول الله الحسن والحسين، وعن مقتل الحسين في كربلاء والذي فصّله في كتابه الثاني، لكن رأي ابن النديم يُحمل على التوهّم بأدلّة منها أن الواقدي في حديثه عن معركة بدر خالف ابن إسحاق في الكلام عن قاتل طعيمة بن عدي؛ حيث يذكر ابن إسحاق أنّه علي بن أبي طالب، لكن الواقدي قال إنّه حمزة بن عبد المطلب في دليل على عدم تحيّز الواقدي للشيعة.[٤]

وعمومًا لم ينجُ كلا المؤرخين –الواقدي وابن إسحاق- من تهمة التشيّع، مع وجود الدليل على ثبات ذلك عقيدةً شخصيةً عندهما، بل إنّ ما نجده من أقوال الشيعة وآرائهم في كتبهما لا يعدو كونه جزءٌ مما تقتضيه طبيعة التأليف في الموضوعات والأحداث التي تطرقوا لها، إضافة إلى انعدام أي دليل يدعم رأي ابن النديم مما ينهض بكلامِه ليصبح حكمًا على الرجلين.[٤]

شيوخ الواقدي وتلامذته

عاش الواقدي في العصر الذي بدأت فيه الدولة الإسلامية تأخذ طابعها العلمي الثقافي من تأصيل العلوم وتدوينها، وتأليف الكتب ونسخها؛ حيث انتشر العلم والعلماء في أيامه انتشارًا واسعًا لم يسبقْ له مثيل في أيام الفتوحات الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين؛ ومن بعدهم في عهد الدولة الأموية؛ ويأتي تاليًا ذكر لبعض شيوخ الواقدي، وبعض تلامذته.[٤]

شيوخ الواقدي

تتلمذ الواقدي على عددٍ كبيرٍ من العلماء، فلم يترك أحدًا في المدينة ممن لديهم العلم بالمغازي وغيرها إلا قصده، فكان يسمع من صغار التابعين ممن كانوا في المدينة والشام، فمن أكابر شيوخه في دمشق:[٤]

  • الأمام الأوزاعي.
  • ثور بن يزيد.
  • هشام بن الغاز.
  • معاوية بن صالح.
  • أبي سفيان الثوري.
  • ابن أبي ذئب.
  • أبي بكر بن سبرة.
  • أسامة بن زيد.
  • ربيعة بن عثمان.
  • عبد الحميد بن جعفر.
  • عبد الملك بن عبد العزيز.

وممن روى عنهم القراءة نافع بن أبي نعيم، ومن شيوخه في الحديث الإمام مالك بن أنس، وفي الأخبار والمغازي أبو معشر السندي ومنه أخذ الواقدي أغلب علم التاريخ في المدينة.[٤]

تلامذة الواقدي

روى عن الواقدي في علم الأحاديث وأخبار التاريخ والأحداث والمغازي عددٌ كبيرٌ من العلماء منهم:[٥]

  • أبو بكر بن إسحاق.
  • أبو بكر بن أبي شيبة.
  • الحسن بن عثمان الزيادي.
  • أحمد بن الفضل.
  • علي بن يزيد الصدئي.
  • الحسن بن مرزوق.
  • أحمد بن رجاء الفريابي.
  • أحمد بن الخليل البرجلاني.
  • عبد الله بن الحسن الهاشمي.
  • محمد بن سعد؛ وهو كاتب الواقدي.
  • أبو عبيد القاسم بن سلام.
  • الإمام الشافعي.

مؤلفات الواقدي

يجمع العلماء على غزارة علم الواقدي وغزارة تأليفه وشمول كتبه لجميع العلوم التي ازدهرت في زمانه، فمن كتبه كتاب التاريخ والمغازي والمبعث، وكتاب أخبار مكة، وكتاب الجمل، وكتاب صفين، وكتاب السيرة، وكتاب الردّة والدار، وكتاب أزواج النبي، وكتاب السقيفة وبيعة أبي بكر، وكتاب التاريخ الكبير، وكتاب غلط الحديث ،وكتاب الترغيب في علم القرآن وغلط الرّجال، وكتاب سيرة أبي بكر ووفاته، وتصنيف القبائل ومراتبها وأنسابها، وكتاب وضع عمر الدواوين، وكتاب ضرب الدنانير والدراهم، وكتاب تاريخ الفقهاء، وكتاب مولد الحسن والحسين ومقتل الحسين، وكتاب آخر فصّل فيه في حادثة مقتل الحسين، وكتاب السّنّة والجماعة، وكتاب ترك الخوارج في الفتن، ويذكر للواقدي نحو ثلاثينَ كتابًا من بينها كتبٌ لم تطبع إلى اليوم؛ ككتاب تفسير القرآن الكريم، ومنهم من قال: إنّ له أكثر من ثلاثين، وقد ضاع بعضها ككتاب فتح الشام، وكتاب فتح العراق، وأكثر الأقوال على أنهما ضاعا، ولم يعرف لهما أثر، وأن الكتابين المطبوعين بهذا العنوان منسوبين خطأ للواقدي؛ وهما من تأليف غيره، وأهمّ كتب الواقدي على الإطلاق:[٤]

كتاب المغازي

سرَدَ فيه أحداث غزوات النبي وسراياه التي عقدها لأصحابه، وهو من أوائل ما طبع من كتب التراث، وقد اتبع فيه الواقدي منهجًا محددًا يقوم على الكثير من الشروط والأسس منها تحديد وقت الغزوة والسرية باليوم والشهر والسنة، ويتحدث فيها عن استعدادات المسلمين والمشركين والأعداد، ومواضع سير الجيشين، وأحداث المعركة، ومن قتل فيها من المشركين واستشهد من المؤمنين، ونتائجها وأثرها، وغير ذلك من الأسس التي اتبعها في منهجه من توثيق الأخبار وذكر المصادر وأقوال الصحابة والأحاديث النبوية، كما كان يذكر الآيات والسور إذا كان سبب نزولها مرتبط بالغزوة ككلامه عن سبب نزول سورة الأنفال التي جاءت بخبر اختلاف المسلمين في تقسيم غنائم بدر.[٦]

التاريخ الكبير

وفيه ذكر أهم الأحداث الإسلامية التاريخية منذ بعثة النبي حسب تاريخ وقوعها بالترتيب إلى أن وصل إلى عام 179 هـ؛ أي قبل ذهابه إلى بغداد؛ حيث لم يتابعْ في الكتاب بعدها، وقد ورد في كتاب تاريخ الرسل والملوك للطبري أجزاء ومقتطفات من كتاب الواقدي.[٧]

كتاب الطبقات

وفيه ذكر الواقدي طبقات المحدّثين في الكوفة والبصرى، وركزّ فيه على علاقة الحديث بعلم التاريخ، وارتباطهما معًا منذ البدايات وعلى منهج هذا الكتاب ألّف تلميذَه وكاتبه محمد ابن سعد كتاب الطبقات المشهور.[٤]

كتاب الردّة

وفيه يروي أحداث حروب الردّة وما كان فيها من المعارك والأخبار مع جزء يسير من أحداث فتوح العراق، كما أتى على ذكر المثنى بن الحارث الشيباني، ومحاربة المسلمين لسجاح ومسيلمة الكذاب، وجمع فيه جميع الأخبار التي أعقبت وفاة النبي.[٨]

منزلة الواقدي العلمية

حصَلَ الواقدي على أغلب شهرته من علمه في المغازي وأخبار حروب الرّدّة والفتوحات، وفي هذا المجال يأتي ثانيًا بعد ابن إسحاق بحسب أغلب العلماء، وقد تحدّث كاتبه عن سعة علمِه في السير والفتوحات، وأخبار ما اختلف فيه الناس وما اتفقوا عليه، وذكر الخطيب البغدادي شهرة كتب الواقدي، وانتشارها الواسع في شرق الأرض وغربها، وعنه يذكر الإمام الذهبي ما كان من جلاله ووقاره.[٤]

وفي العموم اختلف العلماء حول الواقدي؛ فمنهم من ضعّفه، وقال بوضعه للأحاديث، ومنهم من قوّاه ووثق به في التاريخ والأخبار والمغازي مع ترك روايته للأحاديث عند أغلبهم، وهو أمر لم يتعارض عند العلماء فلا يلزم عند العلماء أن تكون سعة علم الرجل حاملا على أخذ جميع العلوم منه، ويأتي تاليا ذكر لرأي المضعفين والواثقين بالواقدي.[٩]

رأي المضعفين

أبرز المضعفين له في علم الحديث هم كبار الأئمة كالبخاري والنسائي والرازي، وقد حكموا على أحاديثه بالترك مطلقًا، ووصفه النسائي بالواضع، وقال عنه الإمام أحمد بن حنبل: “كذّاب كان يقلّب الأحاديث” وقال عنه مرّة: “ليس بشيء، لا يُكتب حديثه” ويعزى هذا التضعيف من أغلب العلماء كالذهبي وغيره لكون الواقدي لم يكن ممن يلتزمون منهج الرواة في جميع الأحاديث من ناحيتين أولاهما: أنه يأخذ من الصحف والكتب؛ وطريقة المحدّثين الثقاة أن يأخذوا الحديث مشافهة وسماعًا، والثانية: أّنه يَجمع الأسانيد المختلفة للحديث، ثم يجيء بالمتن واحدًا، مع أن في المتن جزء لرواة وجزء لآخرين، وهاتين الخصلتين هما أشد ما يكره علماء الأحاديث، وهما سبب ترك حديث الواقدي.[٤]

رأي الواثقين

أغلب الواثقين يتحدّثون عن تركه في الحديث وتضعيف أحاديثه؛ لكنهم يرفضون تركه في المغازي والأخبار والسير، ومنهم الإمام الذهبي نفسه الذي يقول: “أحد أوعية العلم على ضعفه المتفق عليه .. خلط الغثّ بالسمين، والخرز بالدر الثمين، فاطّرحوه لذلك، ومع هذا، فلا يُستغنى عنه في المغازي، وأيام الصحابة، وأخبارهم” وعنه قال ابن كثير: “الواقدي عنده زيادات حسنة، وتاريخ محرر غالبًا، فإنه من أئمة هذا الشأن الكبار، وهو صدوق في نفسه مكثار” وهذين الرأيين يختصران أغلب آراء الناس حوله على أن هناك من ضغفه في رواية الأخبار أيضًا.[٤]