مفهوم الوصف لغة واصطلاحًا

تعرف على انواع الوصف ووظائفه إنّ التعبير عن المشاعر والآراء والمواقف يحتاجُ إلى وسيلة للتعبير، وكثيرًا ما تكون وسيلة التعبير هي الكتابة، ويمكن القول إن شكل الكتابة يتغيّر بتغيُّر المواقف والمشاعر المراد التعبير عنها، إذ يختار البعض القصة وسيلةً للتعبير عن مشاعره وإطلاق العنان لخياله، وآخرُ يختار الرسالة للتواصل والتعبير عن الرأي ووجهة النظر، ومنهم من يختار المقالة القائمة على الحُجج والبراهين ليقنع الآخرين بوجهة نظره، ولعلّ أكثر ما يساعد في التعبير عن الرأي والعاطفة والإحساس في آن واحد هو الوصف، ومن خلال الاطلاع على تعريف الوصف يُلاحَظ أن الوصف في الأدب يعتمد على ما تلتقطه الحواسّ من صفات للموصوف، ثمّ يتم التعبير عن هذه الصفات في نصّ أدبيّ، كما أن في الوصف مساحة من الحرية لاستخدام التشبيهات والصور والاستعارات والمحسّنات البديعية، وهذه الأمور هي التي تزيدُ الوصف إبداعًا، وتعبّر عن قدرة الكاتب على التفنّن في الوصف.

تعريف الوصف لغةً واصطلاحًا

تعريف الوصف لغةً: وصَفَه، يصفُهُ وصفًا وصِفةً، أيْ نَعَتَهُ، وتواصَفوا الشيء: وصَفَ بعضُهم بعضًا، أمّا النحويون فالصفة عندهم هي النعت، أما تعريف الوصف اصطلاحًا: فهو رسم بالكلام ينقل مشهدًا حقيقًّيا أو خياليًا للأحياء أو للأشياء أو للأمكنة، بتصوير خارجي أو داخلي من خلال رؤية موضوعيّة أو ذاتيّة أو تأمليّة، ومن خلال الدمج بين تعريف الوصف اللغوي والاصطلاحيّ يمكن الاستنتاج أن هذه اللوحة الفنية التي تنتج في الوصف تُنسَج بخيوط من ألوان الكلام المزخرف المنمّق، مع جزالة في الألفاظ، ودقة في التصوير، لتصل إلى المتلقي صورةً نقيّةً واضحة غايةً في الجمال والإتقان. [١]

الوصف من حيث علاقته بالموصوف

إن الكاتب عندما يريد أن يلجأ إلى الوصف فلا بد من أن يكون هناك موصوفٌ يتأمّله، ويدقق في تفاصيله، ومكوناته، ويمعن النظر في كل جزئية من جزئياته، وكل حركة من حركاته، وانطلاقًا من هذا الموصوف يُقسم الوصف إلى نوعين: [٢]

  • الوصف الخارجي: يمكن القول في تعريف الوصف الخارجي أنه وصف دقيق ينقل صورة الموصوف الخارجية الظاهرة بشكل واقعي وتصوير حسّي للشكل واللون والحجم والطول، فهو أشبه ما يكون بالتصوير الفوتوغرافي، حيث يرسم الكاتب بالقلم كل ما تدركه الحواس، ويرمي إلى تقديم معلومات دقيقة، وإظهار تفاصيل الموصوف، والتركيز على المشاهد المهمة، ولذلك تغلب عليه صفة الموضوعية. 
  • الوصف الداخلي: يُذكر في تعريف الوصف الداخلي أنه وصف وجداني يسبر أغوار الأعماق غير المرئية، وغالبًا ما يتعلق بوصف العواطف والآمال والطبائع والانفعالات والأحاسيس، ويمكن الاستنتاج من تعريف الوصف هذا أن الكاتب أو الواصف يَدمج ما بين حقيقة الموصوف وإحساسه وتأمّلاته، ويتميز هذا النوع بالبراعة في إثارة الخيال والإيحاء.

الوصف من حيث علاقته بالواصف

من خلال تعريف الوصف الذي مرّ سابقًا يتضح أن التركيز الكبير في الوصف يكون على الموصوف، لكن هذا لا يعني على الإطلاق أنّ الواصف هو مجرد آلة تصوير تنقل لنا الصفات الداخلية والخارجية للموصوف، بل على العكس إن للواصف دورًا مهمًا في عملية الوصف هذه؛ لأن إبداع النص الوصفيّ يتوقّف على نفسية الواصف ورأيه ووجهة نظره وتأمّله للموصوف، وإن لم يتمّ التركيز في تعريف الوصف على الواصف ودوره في عملية الوصف، لكن لا بدّ من الحديث عن أنواع الصف من حيث علاقته بالواصف إلى ما يأتي: [٣]

  • الوصف الموضوعي: يمكن صياغة تعريف الوصف الموضوعي على أنه تصوير حقيقيّ ودقيق للموضوع كما هو، حيث يتجرد الواصف من مشاعره، وعواطفه، وآرائه، وميوله، وأهوائه، ويكون ناقلًا للصفات الموجودة لدى الموصوف، ولذلك يكون الكتاب في الوصف الموضوعي غير متميّزين عن بعضهم البعض بأمور جوهريّة وعميقة تتعلّق ببناء النص والمحسِّنات، والتعبير عن وجهات النظر، بل تكون نظرتهم محايدة تمامًا.
  • الوصف الذاتي “الوجداني”: يُقال في تعريف الوصف الذاتي “الوجداني” أنّه تصوير للموضوع من خلال نفسية الكاتب ومشاعره ورؤيته الذاتية، حيث يأخذ الواصف ملامح الموصوف، وصفاته، وتفاصيلها، ويضفي عليها بعضًا من إحساسه، ومشاعره، وتأمّلاته، وإبداعه. فيمزج ما بين صفات الموصوف ومشاعر الواصف وينتج لوحة فنية بديعة.

وظيفة الوصف

تعريف الوصف الاصطلاحيّ وضَّح وظيفة من وظائف الوصف وهي الرسم بالكلمات، ولكن يمكنُ القول أيضًا إنّ الوصف يتميّز عن غيره من أنواع الأدب أنه متشعّب، ويكاد يكون متداخِلًا مع نوع آخر أو نمط آخر في أغلب النصوص، فلا يكاد يخلو نصّ من الوصف، وهنا تختلف نسبة هذا الوصف ما بين إذا كان غرض الكاتب هو الوصف فقط، أم غرضه السرد وجاء الوصف مساعدًا لتوضيح الفكرة أكثر، ومهما تكنْ غاية الكاتب ومهما تكن نسبة استخدام الوصف في النصّ فإنّ الوصف له وظائف كثيرة، منها: [٤]

  • إثراء مَلَكة الخيال والإبداع والتذوّق الفني والأدبي عند القارئ. حيث يعمل الواصف على بثّ الحياة في الأمور الجامدة، وتشخيصها، وتجسيدها وإظهارها في أبهى حلة للقارئ. ويجعل اللوحة الأدبية تتجلى أمام عيني القارئ، حيث ينقل الصورة الغائبة، وأحيانًا يسافر بالقارئ إلى أماكن بعيدة وهو جالس على أريكته.
  • كما أنّ الوصف يحرك المشاعر والعواطف والأحاسيس والانفعالات، ولا سيّما عندما يكون وجدانيًا حيث يدغدغ الواصف مشاعر القارئ ووجدانه بوصفه العميق ورموزه المرهَفة، وعباراتها الرقيقة، وأوصافه النديّة.
  • كما يلعب دورًا في تغيير وجهة نظر القارئ تجاه الموصوف، فقد يكون الوصف فيه تقبيحٌ للموصوف، وعندما يبدع الواصف في جمع الأوصاف الذميمة والعبارات المقيتة التي تعبر عن قبح الموصوف، يستطيع تغيير وجهة نظر القارئ بالموصوف، ويدفعه إلى النفور منه.
  • عندما يتداخل الوصف في نصوص أخرى كالسرد مثلًا، فإن الوصف هنا يساعد على تعريف القارئ بسمات الشخصيات، ودوافع تصرفاتها، ويضفي جوًّا من الواقعية والحيوية على النص، ويُغني الخيال، ويزيد التشويق لقراءة النص.

أنواع الوصف في اللغة العربية

فيما سبق تبيّن مفهوم الوصف، وعُرض بأبسط التعاريف وأكثرِها سهولة ألا وهو: الرسم بالكلمات، فالكاتب المبدع هو الذي يصف بدقة وإتقان، وينقل القارئ أو المتلقي إلى الصورة التي يصفها ويجعله يجوب العالم وهو في مكانه، وقبل أن تُعرف وظائف الوصف في اللغة العربية، وأهميته ودوره، لا بد من التمييز بين نوعين من أنواع الوصف، ألا وهما الوصف المادي، والوصف النفسي، أو البعض يسميه الوصف الداخليّ والخارجي.[٢]

ومما هو جدير بالذكر أن هذا التصنيف يتعلّق بالموصوف لا بالواصف، فالوصف المادي أو الخارجي هو الذي يصف فيه الكاتب أو الأديب أو الواصف الشكل الخارجي للموصوف بكلّ تفاصيله ومكوناته، أما الوصف النفسي أو الداخلي فهو وصف لا تدركه الحواس، إنّما يدركه الإحساس والشعور والقلب بعيدًا عن الوقوع عليه بإحدى الحواس الخمسة؛ أي هو مفاهيم مجردة غير محسوسة، ولا بد أن يكون لهذا التصنيف لأنواع الوصف دور في تبيان وظائف الوصف في اللغة العربية، كما سيتبين في ما هو آت من المقال.[٢]

مؤشرات الوصف في اللغة العربية

إنّ الوصف في النصوص الأدبية كثير ومتعدّد الأشكال والطرائق، ولذلك عمل أهل الأدب واللغة على تحديد مؤشرات وخصائص معينة تعين القارئ على معرفة ما إذا كان الوصف مستعملًا في هذا النص أم لا، وهذه المؤشرات هي التي تقوي من الوصف، وترفع من درجة تميز النص الوصفي، وتأثيره على عقل القارئ، ومدى إعجابه بالنص وكاتب النص الوصفي، وتساعده في تحديد أبرز وظائف الوصف في اللغة العربية، ومن هذه المؤشرات ما يأتي:[٣]

  • الإكثار من النعوت والمنعوتات في النص، ولا يمكن إنكار أهميتها في تحفيز خيال القارئ على تخيل شكل الموصوف، وصفاته، وطريقة حركته، وكلامه، ولونه، وحجمه، وكل تفاصيله.
  • الإكثار من الأساليب البلاغية كالتشبيه، والاستعارة، والكناية، والتعابير المجازية، التي تغني النص الوصفي، وتثري عباراته بما يريد الواصف إيصاله للمتلقي، فهي تشكل عاملًا مساعدًا للكاتب في تقريب الصورة من ذهن المتلقي.
  • استخدام الجمل الاسمية عندما يكون الوصف ثابتًا غير متحرك، وهو وصف صورة ثابتة لشخص أو مكان أو أي شيء آخر وهو أشبه بالصورة الفوتوغرافية، فالجملة الاسمية تؤدي دورًا مهمًا في هذه النصوص الوصفية.
  • استخدام الجمل الفعلية ذات الفعل المضارع عندما يكون الوصف متحركًا، أي عندما يصف الكاتب المبدع مشهدًا متحركًا، يعبّر فيهِ عن حركات الشخصيات، وانتقالها، وطريقة تصرفاتها، وهنا يكمن إبداع الكاتب.

وظائف الوصف في اللغة العربية

أمّا بعد أن عُرف مفهوم الوصف وتعريفه، وتبينت أنواعه حسب الموصوف، وتحدّدت أبرز مؤشراته، يمكن عرض وظائف الوصف في اللغة العربية، ويمكن القول إن وظائف الوصف في اللغة العربية ترتبط بالنص الذي ذُكر فيه الوصف، ونوع هذا النص؛ إذ إنّ النص هو الذي يحدد طريقة الوصف المناسبة له، والدور الذي سيؤديه الوصف في هذا النص أو ذاك، ويمكن تقسيم وظائف الوصف في اللغة العربية إلى:[٤]

  • وظيفة تفسيرية: ويُقصد بها التعريف والتعليل، وتكون أكثر ما تكون في النصوص العلمية التي تريد أن تفسّر وتوضّح وتبيّن تعليمات أمر ما، كالأدلة السياحية أو الجغرافية، إذ يلجأ الكاتب لهذه النصوص إلى الوصف لتفسير التعليمات، أو المعلومات التي يريد أن يفهمها القارئ ويطبقها بدقة.
  • وظيفة انفعالية: وهي تختصّ بتحريك المشاعر والعواطف، وتظهر بوضوح في الكتابة الإبداعية، ولا تخلو من الأبعاد الرمزية التي تحتاج إلى تأمل وتفكير عميقَين، ولا سيما وصف الطبيعة، فالكاتب في هذه النصوص الإبداعية يصف التفاصيل بدقة وإبداع، ويعبّر عن شعوره وعاطفته من خلال الوصف لهذه التفاصيل.
  • وظيفة جمالية: هذه الوظيفة تتعلّق بهندسة الشكل، وجمال التعبير، والإبداع والتفنن في الوصف، وذلك يكون جليًّا في الكتابات الفنية التي يكثر فيها استعمال الصور، وجماليات اللغة، ولعل هذه الوظيفة تغلب على النصوص التي يريد أن يستعرض فيها الكاتب مهاراته الفنية، وقدراته على التصوير والتخييل والتشبيه.
Exit mobile version