تعرف على نتائج الحرب التي خاضها هولاكو جماعة عرقية، استوطنت شرق ووسط القارة الآسيوية، وماتزال تتواجد حتى اليوم في دولة منغولية وبعض الدول المجاورة، وهم ينتمون في أصولهم إلى مجموعة من القبائل ظلت تتصارع فيما بينها إلى أن قام جنكيزخان بتوحيدها أواخر القرن الثاني عشر الميلادي، ثم توسّع نحو الصين، فنشأت إمبراطورية المغول التي سرعان ما اجتاحت البلدان المجاورة، فدمرت الإمبراطورية الخوارزمية؛ وكانت في ذروة قوتها، وقضت على الإسماعيليين في إيران؛ لتنطلق بعد ذلك جحافل المغول باتجاه عاصمة العباسيين، فدمروها وقتلوا الخليفة قبل أن تواصل جيوشهم الزحف نحو الشام إلى أن لحقت بجيوشهم هزيمة كبرى على يد المماليك، فتوقف مدهم وتقهقروا باتجاه أواسط آسيا مرّة أخرى وكان من أعظم قادتهم وأشدهم بأسًا على الإطلاق هولاكو.[١]
المحتويات
من هو هولاكو
هو هولاكو خان، ابن الإمبراطور المغولي تولوي بن جنكيز خان، المولود عام 1217م، من أمّ تنتمي لأحد قبائل الترك، وتعتنق المذهب النسطوري المسيحي، وهي سرقويتي بيجي، ومذهبها هو نفس المذهب الذي تعتنقه زوجة هولاكو الرئيسية دوقوز خاتون، وهولاكو هو أحد الأخوة الأربعة أبناء تولوي، وهم الذين سادوا إمبراطورية المغول فترة طويلة، وفي عهدهم بلغت الإمبراطورية ذروة توسعها؛ حيث قاد هولاكو جيوش المغول بأمر من أخيه الإمبراطور مونكو خان الذي تولى الحكم بعد والده تولوي؛ حيث احتلّ هولاكو بجيش يزيد عن مئة ألف مقاتل معظم مناطق جنوب غرب آسيا مدمرًا عاصمة الخلافة العباسية عام 656هـ 1258 بعد أن قضى على جماعة اللور وطائفة الحشاشين في أراضي إيران.[٢]
حين فرغ هولاكو من تدمير بغداد بدأ باجتياح مدن الشام واحدةً تلو أخرى وصولًا إلى دمشق التي أرسل منها التهديد والوعيد للماليك في مصر قبل أن يعود إلى تبريز؛ ليكون قريبًا من عاصمة الإمبراطورية في فترة اختيار الإمبراطور الجديد، وهو قوبلاي خان الذي تولى الحكم بعد أخيه مونكو خان، وفي تبريز تلقى أخبار الهزائم التي منيت بها جيوشه في الشام على يد الممالك، فحاول الانتقام بإرسال الحملات تباعا إلى الشام وبالاتصال مع أوربا والصليبين للتحالف ضد المسلمين، فبائت محاولاته بالفشل إلى أن مات في جزيرة أسلامي من بحيرة أورميا عام 1265م مخلفًا ابنه أباقا في قيادة الجيوش.[٢]
حروب هولاكو ونتائجها
كان هولاكو شابًا دون سن 36 من عمره حين عُهد إليه بقيادة جيشٍ جرار قوامه نحو 120 ألف من خيرة جنود وفرسان إمبراطورية المغول، وقد توجّه الجيش بأمر من الإمبراطور مونكو جان لإخضاع قلاع الطائفة الإسماعيلية، ثم إخضاع الخلافة العباسية ومدن الشام وصولًا إلى مصر، وقد أوصى مونكو أخاه هولاكو باتّباع العادات والتقاليد الحربية الموروثة من جدهم جنكيز خان، وهي العفو عمن يستسلم والشدة مع من يقاوم، وقد حقق هولاكو هدفه الأول بالسيطرة على قلاع الإسماعيلين سنة 654هـ 1256م فعمّ الفرح في الأوساط الإسلامية التي كانت تخشى من فساد الإسماعيلين وما يبثّونه من الهلع باغتيالاتهم للقادة والوزراء، لكنّ المغول بقيادة هولاكو كان لهم أهداف أبعد، ففور انتهائهم من إخضاع الإسماعيلين بدأوا بإرسال التهديدات للخليفة العباسي، وبجيش لا يمكن لأحد الوقوف في وجهه انطلق هولاكو باتجاه بغداد التي رفض خليفتها تسليم المدينة رغم معرفته بفوارق القوة التي لا يمكن لبغداد مقوامتها.[٣]
دخل هولاكو وجنوده بغداد سنة 656هـ 1258م بعد أن قاومت حاميتها دون أي جدوى تذكر، وعاث المغول في بغداد خرابًا، وارتكبوا فيها جرائم تقشعرّ لها الأبدان، فقتلوا وسبوا وخرّبوا المباني وحرقوا المنازل والأسواق، وكان في بغداد مكتبةٌ ضخمة تحتوي نفائس الكتب التي جُمعت من مختلف بقاع العالم الإسلامي أحرق المغول بعضها، وألقى ما تبقى من المجلدات في نهر دجلة حتى تغيّر لونه من الحبر الذي في الكتب، أما الخليفة العباسي الأخير؛ فقد لقي من هولاكو وجنده مصيرًا بائسًا، وضُرب بالعصي حتى مات، وقد تردد خبر اجتياح بغداد ومقتل الخليفة فيها كالزلزال في العالم الإسلامي، وانخفضت معنويات المسلمين فظنّ قسمٌ منهم أن العالم سينتهي؛ فهم يفقدون لأول مرة منذ وفاة النبي منصب الخليفة.[٣]
شرع هولاكو بعدها بإخضاع مدن الشام، فبدأ بميافارقين التي دخلها جيشه بعد حصار طويل دام لعامين حاز خلالهما عدّة مدن منها نصّيبين والرها والبيرة، ثم تقدم باتجاه حلب فدمرها، ثم حاز حارم وحمص والمعرّة، فصار طريقه سالكًا باتجاه دمشق التي هرب سلطانها الناصر يوسف تاركًا المدينة لمصيرها المحتوم، فخرج أعيانها ليسلموا المدينة لهولاكو وسط انهيارٍ كبيرٍ لمعنويات المسلمين الذين عاصروا سقوط الخلافة العباسية وسقوط كل هذه المدن حتى ظنوا ألا منجى من جيوش المغول.[٣]
عاد هولاكو بشكل مفاجئ إلى إيران بعد وفاة أخيه تولوي، وتابع صديقه كاتبغا المسير إلى مصر التي بدأ سلطانها قطز بالإعداد لردّ المغول، ولم ينتظرهم في القاهرة، بل فضّل الخروج لردهم قبل أن يصلوا ويحاصروا المدينة، والتقى الجيشان في معركة عين جالوت بفلسطين، فاستبسل المماليك في القتال، ونفذوا خطط المظفر قطز بإحكام، فتمكنوا من إبادة جيش المغول بشكل كامل قبل أن يتابعوا المسير لتحرير جميع مدن الشام.[٣]
اشتعلت عدة نزاعات داخل العائلة الحاكمة فانقسمت إمبراطورية المغول لثلاثة أقسام قاد هولاكو شطرها الفارسي، وأواخر حياته أرسل هولاكو عدّة جيوش بهده الثأر من خسارة عين جالوت والقضاء على الممالك الذين تمكنوا تحت حكم سلطانهم الظاهر بيبرس من دحر جميع الحملات، ثم تحالف بيبرس مع ابن عمّ هولاكو وهو بركة خان قائد القبيلة الذهبية الذي أعلن الحرب على ابن عمه هولاكو ما حدّ من خطورة جيوش هولاكو الذي توفي لاحقا سنة 1256م لتنتهي أسطورته التي تميزت بأخبار الحروب الدموية المدمرة رغم ما نُقل في بعض الكتب عن رعايته للعلم والعلماء في بعض فترات حكمه.[٣]